ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ما يحدثُ لنا في فتح منذُ أن غادرت فتح مربع المنافي وألقت بثقلِها على أرضِ الوطن، وبات التنظيمُ باباً للرزقِ والوظيفةِ والاستحقاق الذاتي على حسابِ الانتماءِ للفكرة والوطن. وقد كانت خطيئةُ دمج المناضلين وقيادات التنظيم في أجهزة السلطة ومؤسساتها، دون أن يتم ترتيب العلاقة بين السلطة والتنظيم أهم أحد أسباب التراجع الفتحاوي على جميعِ الأصعدة مما أثرَ على مجملِ القضية الوطنية الفلسطينية.
وبُذلت العديد من المحاولات لتلاشي الخلل، وعُقدت مؤتمرات الحركة لكنها بكل أسف كانت الشعرة التي قطعت رأس البعير فتفسخت فتح إلي قسمين، وتهلهلت الهياكل، بل وذابت الشخصيةُ الفتحاوية القائدة للجماهير، وتوالت الصراعات والخلافات لتهوي بنا إلي قاع البئر.
مرة تلو الأخرى بحيث بِتنا نبكي على الإرثِ النضالي لفتح، ونظل نتباهى بالتاريخ العريق والقيادات العملاقة التي غادرتنا إلي جنة السماء تاركة من على الأرض تائهون في صحراء الألم والمرارة.
ما يحدثُ يدفعُنا لقراءة المشهد ألف مرة، دون تحيز، ففتح أكبر منا جميعاً وأهم من الجميع، ووحدتنا تعني الخروج بالقضية الفلسطينية كلها من النفق المظلم الي النور.
تعلمنا في الثورة وفي السجون أن نقرأ الأمور من كل الزوايا، أن نحلل ما خلف السطور، تعلمنا أن لا نتعجل في الرد، بل أن نتقن فن الرد. وعند تحلينا لكل ما ورد يبقي علينا القول أنه لا يمكن لأي مسيرة أن تحقق أهدافها على جثث المؤمنين بالفكرة أو من دفعوا ضريبة الانتماء للفكرة، فهم الجدوة المشتعلة وإن بقيت تحت الرماد، لا يجوز استبعاد أو إقصاء أي كادر تحت مبررات واهية، فمنهج الإقصاء لا يلتقي أصلًا مع منهج الإصلاح، وعلى كل دعاة الإصلاح دراسة التاريخ جيداً، فالإصلاح يتم من خلال صياغة الوعي وتحرير الإنسان وإعادة البوصلة إلي الأساس الفكري الصلب القائم على التعبئة قبل التنظيم وتعزيز الإيمان بالفكرة، وتعزيز الثقة المتبادلة بين القيادة والجماهير، وبين القيادة وكل جنودها العاملين على الأرض.
هكذا كان عهد العظماء ياسر عرفات وخليل الوزير التي تمر علينا ذكري استشهاده والحالة الفتحاوية يرثى لها، فأين نحن من وصايا الشهيد القائد أبو جهاد، وأين نحن من إرث الشهداء، ألا نستحق الأفضل ؟، ألا نعيد فتح إلى ماضيها المجيد بإعادة وحدتها وترتيب صفوفها، وتعقيم كل الهياكل من كل الفيروسات خاصة ونحن الآن في زمن الـ "كورونا".. فالطفيليات التي تطفو على سطح المعادلة لا يمكن لها أن تستمر وأن تكبر، لأن جهاز المناعة التنظيمي عليه أن يطردها فوراً. وبعض هؤلاء يرون أنفسهم فوق العامة والخاصة ونماذج للتسلط والدكتاتورية والمزاجية ،،، ويحق لهم ما لا يحق لغيرهم، وبعضهم الآخر اكتفي بدور المراقبة والمخبر، وعلى قاعدة من تشتريه اليوم يبيعك غدًا، لأن القيم المعنوية المبدئية ثابتة لا يمكن استبدالها بالمعطيات المادية التي قد تختفي في أى لحظة، وعلينا تطهير خطابنا الثوري والحركي من كل ألوان الثلوث الفكري فلا يوجد في نظامنا الأساسي ولا اللوائح الداخلية ما يسمي بيعة أو ولاء وهذه المفردات لها علاقة جذرية بالتنظيمات ذات الميول العقائدية وليست كحركة تحرر وطني،، لذا فما يحدث الآن كله مؤقت وعابر، سينتهي عند مواجهة الحقيقة، ولا يمكن لأي غربال أن يطفئ نور الشمس الساطعة. نعم هناك مفاهيم خاطئة لابد من تصويبها، الذين يعتقدون بأن النضال والإبداع والعطاء مرتبط بالموقع أو بالسن مخطئون دون شك، لأن العملية النضالية والفعل الثوري الجاد يبنى على المراكمة الإيجابية والخبرة العملية على أرض الواقع.
الإصلاح مهمةٌ مقدسةٌ ولكن بأدواتٍ طاهرة ونوايا وطنية صادقة، إننا فعلًا بحاجة إلى ثورة تغيير شاملة لكي نستطيع العودة إلى التنظيم الثوري... إلي إصلاح فِعلي قولاً وعملاً فالقيم النبيلة يحتاج تطبيقها إلى نبلاء قولًا وفعلًا حتى يؤمن بها الآخرون.. وإلا لن يستطيع العطار أنْ يصلح ما أفسدَه الدهر، الخلاصُ الجماعي هو الحل وكل من يبحث عن خلاص فردي سيهوي إلي مهاوي التاريخ عاجلًا أو آجلًا، واعلموا يا سادة أنه حين تعلو المصالح الفردية على المصالح الجماعية والوطنية تتحول الفكرة إلي مراكز قوى وأدوات للاستثمار.. وهذا يعزز الفساد ولا يحقق التغيير والإصلاح. فهل من رجلٍ رشيد يدرك تفاصيل الحقيقة ؟؟!! فيعدد ترتيب المعادلة وتصويب الطريق، نحن نستحقُ الأفضل فعلًا ولن تنتهي الثورة ولن تموت الفكرة ولن تسقط الراية ولا خير فينا إن لم نقُلها ولا خير فيهم إن لم يسمعوها...