نشارك الإخوة السوريين أفراحهم بسقوط نظام الأسد الذي جثم على صدورهم لعقود، ونتمنى لهم مستقبلاً أفضل ينعمون فيه بالحرية والكرامة. لكن فرحة الخلاص من نظام مستبد لا تعني إغفال المخاطر المحدقة التي باتت تهدد مستقبل سوريا وشعبها، خاصة مع سيطرة جماعات متطرفة على أجزاء واسعة من البلاد. هذا الواقع الجديد يثير تساؤلات مقلقة حول مصير سوريا، وأثر هذه التحولات على القضية الفلسطينية والمنطقة برمتها.
الموقف من إسرائيل والقضية الفلسطينية
مع سيطرة الجماعات المتشددة سارعت إلى إغلاق مكاتب الفصائل الفلسطينية في دمشق، في خطوة تعكس توجها غير مفهوم تجاه القضية الفلسطينية، خصوصا في ظل تجاهلها الفعلي لمعاناة الفلسطينيين، بل أظهرت تهاونًا خطيرًا تجاه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية، بما فيها مناطق استراتيجية مثل جبل الشيخ. هذا الصمت يُثير تساؤلات حول وجود تفاهمات غير مخيفة غير معلنة ، خاصة أن إسرائيل لم تتعرض لأي تهديد حقيقي من تلك الفصائل المتطرفة، طوال تاريخها، وهي اليوم استفادت من انشغال الجميع بالفوضى السورية لتعزيز احتلالها وتوسيع استيطانها.
الصراع الطائفي ومخاطرة
سوريا اليوم مهددة بصراع طائفي بدأت ملامحه تظهر بوضوح، حيث تستهدف بعض التنظيمات مكونات ديموغرافية معينة بعمليات إعدام ميداني ونبش قبور، في انتهاكات تهدد النسيج الاجتماعي الذي حافظ عليه السوريون لمئات السنين.
هذه الانقسامات ليست بعيدة عن الداخل الفلسطيني، الذي يشترك مع سوريا في تشكيلات طائفية وديموغرافية متشابهة إلى حد التداخل. إذا استمرت هذه الفتن الطائفية في سوريا، فقد تجد صداها السلبي داخل مجتمعنا الفلسطيني، مما يُهدد وحدتنا الوطنية، التي هي ركيزة أساسية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته.
التفرقة بدل التعايش
منطقة الشام، التي عُرفت تاريخيًا بتنوعها الديني والعرقي وتعايش شعوبها بسلام، تواجه اليوم خطر التفكك؛ والجماعات المتطرفة لا تمثل فقط تهديدًا لسوريا، بل تمسّ نموذجًا حضاريًا أثبت إمكانية تعايش مختلف الطوائف لقرون. الاعتداءات الممنهجة على مكونات المجتمع السوري، وإحياء النزعات الطائفية، تُهدد بطمس هذا النموذج، ما يعني انعكاسات طويلة الأمد على استقرار المنطقة، بما فيها فلسطين.
فرصة لإسرائيل لتكثيف انتهاكاتها
وسط هذا المشهد الدموي في سوريا، انصرف العالم عن القضية الفلسطينية، مما أتاح لإسرائيل فرصة ذهبية لتكثيف انتهاكاتها ومخططاتها ضد الشعب الفلسطيني.
مطامع إقليمية
لا يخفى على أحد أن إسرائيل وتركيا تسعيان لاستغلال الفوضى السورية لتحقيق مطامعهما الإقليمية. إسرائيل تنظر إلى هذه الفوضى كفرصة لتعزيز احتلالها للجولان وإضعاف المقاومة الفلسطينية.
أما تركيا، فتواصل دعمها للفصائل، مما يُثير الشكوك حول أهدافها الحقيقية من دعم الشعب السوري في تحقيق حريته وبناء دولته، تركز تركيا على تعزيز نفوذها الجيوسياسي، وهو ما يتقاطع مع الدور القطري المشبوه في تمويل وتسليح الجماعات المسلحة، التي تحولت إلى أداة لزيادة الانقسام في سوريا والمنطقة.
دعوة للتنبه وبناء مستقبل آمن
في خضم احتفالات السوريين بسقوط النظام، يجب أن يدركوا أن الفرح اليوم قد يتحول إلى معاناة غدًا إذا لم يُبادروا إلى حماية وحدتهم الوطنية وإيجاد قيادة حكيمة قادرة على تحقيق تطلعات الشعب السوري، بعيدًا عن النزاعات الطائفية والتطرف.
القضية الفلسطينية، التي عانت لعقود من الانقسامات، هي درس واضح على ضرورة تجاوز التطرف والمتطرفين كما أن ما يحدث في سوريا يُذكّرنا جميعًا بأن معركة الحرية لا تنفصل عن الحاجة للحفاظ على النسيج الاجتماعي، والعمل على مشروع وطني جامع يحمي الأرض والشعب من كل تهديد داخلي أو خارجي.
سوريا وفلسطين مرتبطتان بمصير واحد. وما يهدد سوريا اليوم من تفكك وصراعات سيجد طريقه إلى المنطقة بأكملها ما لم يتكاتف الجميع، شعوبًا وقيادات، لمواجهة هذه المخاطر ورسم مستقبل أكثر استقرارًا وسلامً