الكوفية:من جديد، يتحدّث الجميع، الوسطاء، والمراقبون، وحتى الدوائر الإسرائيلية، عن اقتراب الأطراف من الاتفاق على وقف المقتلة الجارية في قطاع غزّة.
التفاؤل عارم هذه المرّة، بخلاف حالات التفاؤل الكثيرة التي رافقت الحرب الإبادية منذ أشهر طويلة.
التفاؤل الذي ساد خلال الأشهر الطويلة المنصرمة، لم يكن أكثر من منح آلة الحرب الإبادية الإسرائيلية الفرصة تلو الفرصة، بأمل أن يحقّق بنيامين نتنياهو انتصاره الحاسم، لكنّه لا يزال يتحدّث عن أنّه سيواصل تحقيقه.
لتحقيق انتصاره، استخدم نتنياهو كلّ ما لديه وما لدى حلفائه الخارجين من إمكانيات، لكنه يعترف ويعترف الواقع الميداني بأنّه رغم مرور كلّ هذا الوقت، لم يحقّق تلك الأهداف.
لكأنّه يخوض حرب شمشون «عليّ وعلى أعدائي»، فهو يهدم كلّ المعابد، يهدم كلّ شيء يمكن أن يستظل به إنسان أو حيوان، يهدم حياة وتاريخ الفلسطينيين وأرضهم وتراثهم.
ويهدم نتنياهو وائتلافه الحكومي الفاشي كلّ هيبة وقرارات ودور الأمم المتحدة، ويهدم كلّ القيم والقوانين الدولية والقانون الدولي الإنساني، تلك القيم التي دفعت البشرية أثماناً باهظة قبل أن يتوافق عليها المجتمع الدولي.
نتنياهو يعرف أنّه إن حقّق ما أراد أو فشل في تحقيق أهدافه فإنّ حياته السياسية مآلها السقوط في التحقيقات التي تلاحقه بسبب الفساد، وخيانة المسؤولية، والفشل السياسي والاستخباري، ولذلك فإنّه يماطل لكسب المزيد من الوقت عسى أن ينجح في الحصول على تعويذة تنقذه ممّا ينتظره.
إدارة جو بايدن الراحلة، لا يمكنها مهما فعلت أن تنسب لنفسها شرف إنجاز صفقة التبادل، فما تبقّى لها من أسابيع قليلة تعمل استناداً إلى رغبة دونالد ترامب المعلنة لتحرير الرهائن.
لن يغفر لها التاريخ ولا الشعب الأميركي، ولا شعوب العالم مسؤوليتها عن ما حلّ بالشعبين الفلسطيني، واللبناني، ومسؤوليتها عن الإبادة الجماعية والتجويع التي أصبحت الوصفة الأكيدة لكلّ ما قامت وتقوم به دولة الاحتلال، بدعم ومشاركة كاملة من الإدارة الأميركية.
بالرغم ممّا تعرّض له الشعب الفلسطيني خصوصاً في القطاع، واللبناني من مجازر إبادة جماعية، أطاحت بالأخضر واليابس وأزهقت مئات الآلاف من الأرواح معظمهم من النساء والأطفال، إلّا أنّ شركاء الحرب الإجرامية فشلوا حتى الآن، في مسح المقاومة من وجه الأرض، أو تهجير الشعب الفلسطيني، حتى أنّ بعض المسؤولين يتحدّثون عن أنّ حكم حركة حماس قائم رغم كلّ ما تعرّضت له، فضلاً عن أنّ أربع حملات، آخرها لنحو 70 يوماً على شمال القطاع، إلّا أنّ المقاومة موجودة ولا تزال تقاتل وتسقط المزيد من القتلى والجرحى في صفوف القوات الغازية.
في الحديث المتواتر عن قرب التوصّل إلى صفقة، البعض يتحدّث عن هدنة مؤقّتة، لا تتجاوز المرحلة الأولى، والبعض الآخر يتحدث عن وقف الحرب، وانسحاب إسرائيلي متدرّج من القطاع.
البعض يتحدّث عن إمكانية تحقيق الاتفاق قبل نهاية هذا العام ودولة الاحتلال الرسمية تتحدّث عن أنّ ذلك ممكن قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، بل إنّ بعضاً آخر يتوقّع أن يتمّ الاتفاق على المرحلة الأولى، ثم تتواصل المفاوضات على المرحلتين الثانية والثالثة بعد دخول ترامب البيت الأبيض.
حين أطلق ترامب تهديده بالجحيم الذي ينتظر الشرق الأوسط إذا لم يتمّ التوصل إلى اتفاق يؤدّي إلى تحرير الرهائن، أراد الإسرائيليون تفسير ذلك، على أنّه تهديد موجّه للمقاومة الفلسطينية و»حماس».
لكن كانت هناك نبرة الخوف، من أن تتعرّض دولة الاحتلال لضغطٍ أميركي غير مسبوق، هذه النبرة تميّز الكثير من تصريحات مسؤولين إسرائيليين بمن في ذلك نتنياهو الذي اتهمه أفيغدور ليبرمان بأنّه يستعدّ للقبول بفكرة الدولة الفلسطينية.
المقاومة الفلسطينية، وشعبها قد ذاقت ولا تزال تتذوّق مرارات المقتلة المستمرّة، والتدمير المستمرّ، فما الذي قد يفعله ترامب أكثر ممّا فعلته وتفعله دولة الاحتلال، وكذلك إدارة بايدن؟
وباعترافات مسؤولين أمنيين وعسكريين إسرائيليين، عدا مسؤولين سابقين فإنّ «حماس» أبرأت ذمّتها، وأظهرت استعدادها للمرونة، وخفّفت من شروطها التي تمسّكت بها خلال جولات المفاوضات السابقة، ما يعني، وأيضاً باعترافات مسؤولين إسرائيليين أنّ نتنياهو هو الذي يتحمّل مسؤولية المراوغة والتعطيل.
من الواضح أنّ الصفقة قادمة لا محالة، إن كانت مؤقّتة، جزئية أو شاملة، توقف الحرب الدموية والتدميرية، أم توقف إطلاق النار، وفي كلّ الحالات، ستواصل دولة الإجرام الإسرائيلي هيمنتها وتدخّلاتها العسكرية باختلاق المزيد من الذرائع، على أنّ نتنياهو الذي يواصل التأكيد على التزامه بإعادة الأسرى، أحياء أو أمواتاً، ويقصد بالطرق العسكرية الفاشلة، سيواصل استغلال كلّ لحظة، وكلّ يوم قبل أن يضطرّ للذهاب إلى صفقة، حتى يوقع أكبر قدرٍ من الشهداء والجرحى، ويدمّر ما تبقّى من منازل، وزراعة وبنى تحتيّة.
وإذا كان الحديث يتركّز من قبل جميع الأطراف على صفقة التبادل، فقد غاب الحديث عن «اليوم التالي» للحرب الهمجية، إذ يتعمّد نتنياهو حتى الآن تقديم رؤيته، ما يؤشّر على أنّ نواياه تذهب نحو إبقاء الوجود العسكري في أجزاء من قطاع غزّة، أو على الأقلّ في «شريطٍ أمنيّ» يحيط به وبعمق 2 كم.
من المناسب ألا يبقى الناس على ما عرفوه من وعن ترامب خلال سنواته الأربع المنصرمة، فلقد تغيّرت الدنيا، حتى أصبح كلّ من فيها، على قناعة أن لا سلام ولا استقرار، ولا هدوء في المنطقة وربّما خارجها طالما أنّ الشعب الفلسطيني لم يستردّ بعضاً من حقوقه السياسية.
ترامب اعترف عملياً بهذه الحقيقة حين أشار إلى ضرورة تحقيق السلام، بطرق غير «حلّ الدولتين»، وإن كان لم يستبعد ذلك، فإن حصل ذلك كان به وإن لم يحصل فالشعب الفلسطيني سيواصل رحلة كفاح لـ 100 عام.