- استشهاد طفل نازح برصاص مسيرة إسرائيلية، مقابل أبراج الندى في شمال غزة.
- إطلاق نار كثيف ومتواصل يستهدف منازل المواطنين في حي الجنينة ومحيط برج عوض شرق مدينة رفح
ترحيب حركة «حماس» بتصريحات الرئيس الأميركي، حول «عدم تهجير أهالي قطاع غزة»، هو بداية للغة جديدة للحركة، تنسجم مع طموحاتها السياسية، حيث قرنت ذلك بثلاثة أمور هي «وقف إطلاق النار، والتشديد على ضرورة عدم انسجام الإدارة الأميركية مع رؤية اليمين الصهيوني المتطرف، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني». وهذا يعني بداية تحول سياسي معلن يتجاوز قضية الأسرى.
ليس هناك ما يثير المفاجأة أبداً، فقد عشنا عمراً يكفي لعدم الشعور بها؛ فإن لم يتصل الأميركيون بـ»حماس» وغيرها من الفئات، فبمن يتصلون إذاً وهم الدولة الكبرى التي يصعب على ساستها ألا يكونوا متواجدين في كل تجمع سياسيّ وعسكري بل وثقافيّ؟ لذلك لم يكن الإعلان عن هذه اللقاءات والجدل في مضامينها أمراً جديداً، فكل الدلائل والمعلومات السابقة، كانت تشير إلى هذا، وليس في ذلك ما يضرّ أحدهما أو كليهما، فهذا أمر عاديّ، في ظل أمرين، الأول كون «حماس» ما زال لها النفوذ الأكبر في قطاع غزة، والثاني أنها كحركة إسلام سياسي، لها ارتباطات إقليمية، ضرورة سياسية فيما يتعلق بتوظيفها فيما صار يسمى اليوم التالي.
إذاً، لنتفق أن هذه الاتصالات ليست سرية حقيقة، بل لربما في قادم الأيام يتم الإعلان عن قنوات سرية أخرى، وتلك هي السياسة، وهذه عوالمها؛ ففي ظل الترتيبات الهادئة يتم كل شيء أميركياً، كون الولايات المتحدة دوماً تريد أن تكون الطباخ الوحيد، والفائز الوحيد أيضاً.
«على نار هادئة»، تتم الأمور الحاسمة في الكثير من الأحيان. والعمل في الكواليس إذاً هو العمل في الخفاء. وقد قيل: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، وقد قيل: «داري ع شمعتك تقيد».
لم أكن قد دخلت العشرين من عمري، حين رحت أبحث عن كتاب «لعبة الأمم» لمايلز كوبلاند، الذي يتعلق بما تسمى دبلوماسية ما وراء الكواليس. كانت، بالنسبة للفتى الذي كنته، أمراً مدهشاً، يشبه الدراما، وما زلت أذكر كيف أنه كان هناك في وزارة الخارجية ما يشبه الممثلين، حيث يطلب من هذا السياسي الأميركي تقمص شخصية سياسية، ليطلب منه توقع ردود فعله تجاه فعل سياسي ما يتم التفكير به أو الإقدام عليه.
بعد ذلك، على مدار الأربعة عقود التي عشتها، لم أكن أتفاجأ لا اجتماعياً ولا سياسياً، أو لنقل كنت أقل من آخرين. ولا شك أن هناك ممن خبر الحياة، لدرجة كبيرة تجعله ليس فقط لا يتفاجأ بل يتوقع الفعل أيضاً.
تدل الكواليس على القنوات أو الدهاليز السرية التي تطبخ فيها الاتفاقات. ولربما يذكرنا تمثيل موظفي الخارجية، أو ما يسمون دبلوماسيي وراء الكواليس بعالم المسرح الذي خبرناه على الخشبة، ثم ما لبثنا وقد ارتبطنا بعالم المسرح أن تعرفنا على كواليس المسرح، وهي أماكن خلف المسرح وعلى جانبيه لا يراها المشاهدون، ينتظر فيها الممثلون/ات أدوارهم التي يؤدونها ثم لا يلبثون أن يعودوا إليها. وفيها بالطبع يتم تغيير الملابس، وفيها ما هو أهم وهو المخرج الذي يتابع ما على الخشبة ووراءها.
عودة إلى «لعبة الأمم» الذي صدر العام 1969 وهو (بالإنجليزية: The Game of Nations) كتاب مايلز كوبلاند المولود العام 1916 وتوفي العام 1991. أعلم من «غوغل» أن طبعته اللندنية الأولى نفدت في ثلاثة أيام فقط.
«لم يهتز العالم في تاريخه - ولا يزال - لكتاب كما فعل عند ظهور الكتاب»، هذا ما قيل عن الكتاب الذي سرعان ما تمت ترجمته، وتوزيعه سراً في بعض البلاد، كونه كشف أموراً تتعلق بالساسة لا يرغبون بمعرفة الجمهور لها.
والآن مع مستر بريزيدانت، المايسترو والمخرج، الذي يبدو كالحاوي، أو الساحر، أو حتى المهرّج، الذي يعرف إلى أين يسير، على عكس ما نحسب.
إنها ليست الاتصالات الأولى بين الفلسطينيين مع الأميركيين، فكما قلنا، فإنه دوماً هناك اتصالات، بل لعلها بين المتحاربين أكثر منها بين المتصالحين.
أولاً، وعلى طول الخط، يمكن رؤية ما يحدث كنتاج ليس فقط لما حدث بعد السابع من أكتوبر 2023، بل في المجمل، هو نتاج لما حدث من انقسام فلسطيني منذ أوسلو تحديداً، علماً أن الانقسام السياسي قد ظهر في الانتفاضة الأولى، حين لم تنضم حركة «حماس» للقيادة الموحدة للانتفاضة، وآثرت أن تنشر بياناتها بشكل منفرد، داعية إلى فعاليات خاصة بها. ولم يكن انقسام صيف العام 2007 في قطاع غزة إلا تتويجاً لما في النفوس.
لذلك تأتي الاتصالات وتتواصل في ظل هذا التشتت السياسي، الذي تفضله كل من إسرائيل أولاً والولايات المتحدة ثانياً. إنها متلازمة الانقسامات والتشظيات (والمزايدات للأسف، اليسار زايد فانتهى واليمين زايد فأنهانا)، ولم تسلم بالطبع حركة «فتح» من كل ما ذكرنا.
حاربنا حالنا وصالحنا حالنا حتى لكأننا سنصالح العدو قبل أن نتصالح!
الآن، ومن منظور وطني فلسطيني، هل سنبدأ لأول مرة لنكون معاً؟
يمكن لحركة «حماس» أن تتصل وتتواصل فيما يخص الأسرى، لكن بالطبع لا يمكنها أن تفعل ذلك فيما يتعلق بمصير قطاع غزة فيما يسمى اليوم التالي، ولا بما يتعلق بمصير شعبنا، وليس أمامها فعلياً إلا الإسراع في الوحدة الوطنية ودخول منظمة التحرير، ومن ثم يتم التواصل - التفاوض من الكل الفلسطيني.
في العمل السياسي الوطني، على الرغم من أهمية أن تكون «القلوب على بعضها»، لكن ليس شرطاً، ولكن بشرط ألا نفعل ما يمكن أن يكون ضدنا، وضد مصالح الوطن العليا.
لقد نضجنا، بعد أن «نضجت جلودنا»، وآن الأوان للعمل في الكواليس الفلسطينية بين «فتح» و»حماس»، لربما سيكون ذلك أكثر حسماً من وجود الوسطاء، وهذا ما آمن به ساسة الولايات المتحدة، حين ذهبوا للقاءات مباشرة مع حركة «حماس».
و»أنا مع أخوي ع ابن عمي وأنا مع ابن عمي ع الغريب»، يا لتلك الحكمة الشعبية كما نزهد بها.
لا تقل لي: هل كان ينبغي أن تنضج جلودنا حتى ننضج؟
علينا أولاً أن نتفق بعيداً عن الأعين هنا وهناك، على أمل إنجاز ما نطمح له منذ 4 عقود، وليس منذ 2007.
الوسيط، يظل وسيطاً، فقط لفترة محدودة، إذ سرعان ما يجد الطرفان طريقاً للتفاوض حتى بعيداً عن أعين الوسيط.
هل سننضج بما يؤهلنا للارتقاء بقضيتنا وبتضحيات شعبنا؟ سؤال لنا جميعاً.