الكوفية:خاص: في حياة الزعيم الخالد الشهيد، ياسر عرفات "أبو عمار"، مواقف لا تنسى، تعكس حكمة وديمقراطية، قائدًا وطنيًا، تفتقده القضية الفلسطينية، ورمزًا يصعب تكراره، ومن ضمن تلك المواقف، موقف جمعه بمؤسس حركة القوميين العرب، والأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جورج حبش، في قاعة اليونيسكو بالعاصمة اللبنانية، بيروت، حيث ضرب "أبو عمار" و"الحكيم"، مثالًا في انكار الذات والوحدة الوطنية.
كلمة الثورة الفلسطينية
بدأت القصة عندما وقف أمين عام الحزب الشيوعي اللبناني، في قاعة اليونيسكو، حينها، قائلًا، "الآن مع كلمة الثورة الفلسطينية، مع كلمة الشعب الفلسطيني، مع كلمة الثورات العربية المعاصرة وضمير الثورات، يُلقيها الرفيق جورج حبش".
أثارت كلمات الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني، غضب بعض قادة فتح، وهمسوا للزعيم عرفات، وقالوا له، إنها، "إهانة ما بعدها إهانة، وكيف ستسمح لجورج حبش، أن يُلقي كلمة الثورة الفلسطينية، وأن تجلس وتسكت، إنها إهانة لحركة فتح".
عرفات: جورج حبش حكيم الثورة
واقترح هولاء على الزعيم الخالد أبو عمار، أن يُغادر القاعة، ولكن عرفات همس لهم قائلًا، "لن أسجّل في تاريخي أنني خرجت من القاعة أثناء كلمة حكيم الثورة جورج حبش"، ورفض الخروج وبقي جالسًا مثله مثل غيره يستمع إلى كلمة جورج حبش.
الحكيم: كلمة الثورة الفلسطينية لا يلقيها إلا قائدها
صعد الأمين العام السابق للجبهة الشعبية، جورج حبش، إلى المسرح، وفجر مفاجأة كبرى، حين قال، إن "كلمة الثورة الفلسطينية، كلمة الشعب الفلسطيني، كلمة الثورات العربية المُعاصرة وضمير الثورات.. لا يُلقيها إلا أخي ورفيق دربي القائد العام للثورة الفلسطينية ياسر عرفات".
تحيا الثورة الفلسطينية
بعد أن انتهى "الحكيم" من كلمته، وقف كل الحاضرين في القاعة وصفقوا له على هذا الموقف الذي لا يُنسى، ليصعد الزعيم أبو عمار إلى المسرح، ويعانق جورج حبش وسط تصفيق الجمهور وقد علت حناجرهم بهتاف "تحيا الثورة الفلسطينية .. ووحدة وحدة وطنية".
ليظل ذلك الموقف وهذا المشهد، محفورا في الذاكرة الفلسطينية، ودرسًا لكل الأجيال القادمة، بما يحمله من معاني وقيم ثورية ونضالية وأخلاقية ووطنية، حيث تجلت فيه معاني إنكار الذات والوحدة الوطنية وغيرها من قيم تفتقرها القضية الفلسطينية في الوقت الحالي كثيرًا.
ولم يكن هذا هو الموقف الوحيد الذي جمع قائد الثورة بحكيمها، حيث رثى جورج حبش، الزعيم أبو عمار بعد استشهاده، في بيان مطول، سلط خلاله الضوء على مواقف "أبو عمار" النضالية، وتضحياته من أجل القضية الفلسطينية.
الحكيم يرثي أبو عمار
وفيما يلي مقتطفات من كلمات ومشاعر كتبها "الحكيم" رثاءً للشهيد أبو عمار:
"لقد رحل أبو عمار، وغاب عن ساحة النضال، غاب عن الدنيا وهو شاغلها.. غاب عن فلسطين التي أحبها واحبته ولم يزل المسير نحوها لم يتوقف ولم يزل شلال الدم الفلسطيني يتدفق إلى أرضها ووديانها وهضابها.. ولم تزل المقاومة الفلسطينية تقاوم وتعاند إملاءات القوة والبطش والجبروت الأمريكي والصهيوني.. هي وحدها لحظات الرحيل الأبدي.. التي تترك صدق مشاعر، ونيل المقاصد.. مشاعر الحزن على قائد ترك بصماته واضحة على مسار قضيته.. مشاعر تخلو من حسابات ومعايير السياسة ومعاركها.. فنحن اليوم نفتقد مناضلًا مثابرًا، وقائدًا وسياسيًا ورمزًا ورئيسًا للشعب الفلسطيني كرّس شبابه وعمره كله في النضال ومقاومة الاحتلال، وفي خدمة قضايا وطنه وشعبه.. نفتقد قائدًا كان حتى الأمس يشكل ركنا حيًا من أركان الرواية الفلسطينية بطبعتها المعاصرة".
ظل صامدًا في وجه أمريكا والاحتلال
وأضاف الحكيم، ناعيًا أبو عمار، "لقد شكل بنضاله ورمزيته فصلًا كاملًا من التغريبة الفلسطينية طيلة أربعين عامًا من النضال.. إن للشهداء والمناضلين الراحلين حق علينا. أن نذكر محاسنهم، وفاء لهم. وعهداً قطعناه بأن تستمر المسيرة.. فقد أعطى أبو عمار جلّ جهده لفلسطين ولشعبه. أربعون عاماً ثابر فيها، وقاتل وقاوم، وصارع، وقاد الشعب الفلسطيني من محطة إلى محطة، ومن زمن إلى زمن، ومن موقف إلى موقف، وظل صامدًا في وجه المطالب الأمريكية والصهيونية بدفن القضية ووأد حق العودة.. إنها لحظات يستذكر المرء فيها تلك التجربة الطويلة المريرة والمتعرجة من النضال الوطني الفلسطيني المعاصر وهو على رأسها. شريط الأحداث لا ينقطع من بث الصور والمشاهد وتداعيات الأحداث.. منذ الرصاصة الأولى.. وتفجير الثورة المعاصرة، ومعركة الكرامة، انتفاضة فلسطين الأولى، وانتفاضة الأقصى التي تحولت إلى مقاومة لم تزل جذوتها لم تنطفئ، كان مشهدها الأخير حصار الرجل لوقف دوره، ونضاله في قلعة "المقاطعة" شريط من الأحداث لا يتوقف.
عبر الأزمات دون أن تضعف عزيمته
وقال حبش، "محطات العمل السياسي كثيرة، فقد كان أبو عمار حاضرًا وفاعلًا ورابط الجأش بكل رمزيته وكوفيته وحيويته ومثابرته طيلة هذا الشريط من التجربة الطويلة، وأسأل نفسي من كان يستطيع أن يعبر هذه التجربة الطويلة، وهذه المحطات السياسية والعسكرية التي تقاطعت فيها حروب الأعداء التي لم تتوقف مع المؤامرات السياسية التي لم تزل، مع العجز والصمت العربي الرسمي، على مذابح الشعب الفلسطيني طيلة عقود، لقد عبرها أبو عمار مع شعبه الفلسطيني وفصائل الثورة الفلسطينية دون أن تلين له قناة أو تضعف عزيمته".
فلسطين وحدتنا
وتابع حكيم الثورة رثاءه لقائدها، قائلًا، "كان رفيق درب، وقائد ثورة، ورئيس سلطة، حيث اختلفنا كثيرًا، وتوافقنا كثيرًا، وتوحدنا وتباعدنا، وتقاربنا، لكنها فلسطين وحدها كانت الوسيط الأهم لتوحدنا مرة تلو المرة، حيث هي الغاية والهدف، فقد كانت فلسطين بثورتها وشعبها وشهدائها وأسراها أكبر من أي خلاف أو تنافر فقد كانت فلسطين هي الروح التي نستمد منها العزم والتصميم والالتحام والتوحد".
وأضاف في مقطع أخر، "فالشعب الفلسطيني اليوم هو أحوج ما يكون إلى الوحدة الوطنية، ورص الصفوف ومغادرة مواقع الخلاف والتنافر، والسير موحدين عبر هذا المارثون الفلسطيني الطويل الذي لم نقطعه بعد".
فلسطين ستبقى الحلم والبوصلة
واختتم الأمين العام السابق للجبهة الشعبية، الراحل جورج حبش، رثاءه، للشهيد ياسر عرفات، قائلًا، "نحن اليوم إذ نودعك نعاهدك ونعاهد كل الشهداء أن فلسطين ستبقى الحلم والبوصلة التي لن تحرف المسار.. أيها الرئيس الراحل، أنها لحظات قاسية على شعبنا امام مشهد الوداع الأبدي فقد كنت أكبر من الحصار، ولم يستطع أن يفك حصارك أحد، لكنه وحده الموت الذي فك حصارك ، فسلاماً على روحك الطاهرة.. وسلاماً لكل أرواح الشهداء".