الكوفية:خاص: كان وسيبقى الشهيد ياسر عرفات، رمزًا للمقاومة وأيقونةً للنضال الفلسطيني، ويمثل الشهيد القائد أبو عمار لمعاصريه ومَن خالطوه كنزًا لا ينتهي ومعينًا لا ينضب من النضال والوطنية والشهامة والاعتزاز بالوطن والذات.. في هذه الحلقات نرصد شهادات حية لمعاصري الشهيد القائد على تفاصيل حياته ومواقفه النضالية..
قال الوزير الفلسطيني الأسبق، حسن عصفور، في حديثه عن الزعيم الراحل أبو عمار، إن عرفات أول من أسس كيانا فلسطينيا جغرافيا، وهو أول زعيم فلسطيني.
لقاء الزعيم أبو عمار
وأوضح عصفور، أن "العلاقة بالنسبة لجيله كانت عبارة عن امتياز، وكنت واحدا من الناس الذين يتميزون بعلاقة جيدة عن الآخرين، لأنني كنت أنتمي للحزب الشيوعي الأردني ثم الفلسطيني ثم حزب الشعب، وطبيعة علاقتي بالعمل الفلسطيني في لبنان، حيث كان أبو عمار زعيما ويعتبر بالنسبة لنا حالة مختلفة، ونحن طلاب نعمل في العمل التطوعي، وبدأ التعارف الأولي في اللقاءات التي كانت بين قيادات فتح وأيضا الجبهة الوطنية، ومن ثم دخلت مجال الإعلام فكان هناك الكثير من اللقاءات تجمعنا، ثم ذهبت إلى تونس، وكنت ممثل قيادة الاتحاد لطلاب فلسطين، وأيضا حلقة الوصل بين الحزب وقيادة فتح، وكانت اللقاءات مستمرة وبشكل دائم.
أبو عمار رئيس لدولة فلسطين
ولفت عصفور إلى أن "أبو عمار بدأ يفكر خارج الصندوق، ويخطط لإعلان دولة فلسطين بعد الانتفاضة عام 1987، وبدأ بالتحضير لمفهوم الاستقلالية الفلسطينية التي ستقودنا لحالة جديدة في العلاقات، وبدأ يحضر بشكل سليم ورؤية من الصعب أن يفكر أحد بها، ورسم على كيف يمكن أن يتعامل مع الانتفاضة كمقدمة لإعلان الدولة الفلسطينية، وثم أعلنا قيام دولة فلسطين في الجزائر عام 1988، وسمي أبو عمار رئيسا لدولة فلسطين".
وأكد، أن أبو عمار كان يعتبر القضية الفلسطينية الأولوية وليس الفصيل الفلسطيني، بينما كل الآخرين يعتبرون الفصيل يأتي أولا قبل القضية، مشيرا إلى أن أبو عمار كان مدرك تماما مدى أهمية القضية الفلسطينية.
وذكر عصفور محطة غزو الكويت، مؤكدا أن أبو عمار كان مدركا أبعاد ما بعد الغزو وحاول بكل جهده منع صدام حسين من قيامه بالغزو، وذهب ومعه القائد أبو إياد إلى الرئيس صدام لإقناعه بعدم القيام بالغزو، وعمل كل جهده، لكن صدام لم يتراجع، ولفت إلى أننا خسرنا مرتين، أولا أننا لم نكن نستطيع أن ندين خطط صدام، وثانيا أبو عمار كان غير موافق تماما وعمل كل جهده بالانسحاب من الضم وذهب بوفد إلى العراق، لكن صدام لم ينسحب عن خططه.
الفرق بين الزعيم والرئيس ومؤتمر مدريد
وأشار إلى عبقرية ياسر عرفات بقرار المشاركة بمؤتمر مدريد، رغم أنه يمنع مشاركة المنظمة أو القدس أيضا، ويسمح بمشاركة وفد من الضفة وغزة فقط، بالتعاون مع وفد أردني ما يعني شطب رسمي للمنظمة.
أوضح عصفور، أن الفرق بين الزعيم والرئيس، هو إدراك ما بعد الخطوة، وأصعب القرارات التي اتخذها أبو عمار، قرار المشاركة في مؤتمر مدريد ووضع شروطه في المؤتمر، مشيرا إلى أنهم اعتبروها شكلية، وتمكن من خلالها أن يفرض معادلة جديدة، إلى جانب الانتفاضة التي دعمتنا، وهذا ما أدى إلى طريق أوسلو.
وتابع، "ما أدركته إسرائيل وإسحاق رابين تحديدا، أنه من الصعب جدا أن يتم شطب منظمة التحرير واسم فلسطين، وأن وضع إسرائيل الأخلاقي على الصعيد العالمي بدأ يتدمر، مشيرا إلى انطلاق المسار التاريخي "اتفاق أوسلو"، وهو ما أدى إلى اغتيال عرفات ورابين وأيضا اغتيال المشروع، الذي أسس أول سلطة في تاريخ الشعب الفلسطيني عام 1994، مؤكدا أن كل الفضل للرجل الذي لم يفكر بالطريقة العادية".
أقرب شخص لعرفات
وقال عصفور، إنه كان ينتمي للحزب الشيوعي حيث تم وضعه أمين سر لجنة المفاوضات، وأكد أنه خلال المفاوضات كان من أقرب الأشخاص لياسر عرفات، يثق به ويتحدث معه، ولفت إلى أن أبو عمار شكل لجنة مفاوضات وعينه رئيسا للجنة، ثم نزلت إلى غزة مباشرة وبدأنا العمل ومن هنا انطلقت العلاقات التفاوضية المباشرة.
الديكتاتور الديمقراطي
واعتبر عصفور، أن أبو عمار، "الديكتاتور الديمقراطي، مشيرا إلى أنه لا يأخذ قرارا وطنيا عاما إلا بعد تشاور طويل من لقاءات واجتماعات ونقاش، والحديث مع كل الفصائل، واستخدام كامل قوته لفرض رأيه".
وأضاف، "بعد عام 1984، الصدفة قادت أن أكون جزءا من القيادة الفلسطينية، حيث كنت أمثل الحزب الشيوعي وأحضر جميع اللقاءات والنقاشات، وعند طرح أبو عمار موضوع ويلقى معارضة من الجميع، يستخدم كل الأساليب الإقناعية وينفذ قراره، لذلك أسميه الديكتاتور، أما القرارات الوطنية فكان يشاور ويأخذ رأي الجميع لهذا أسميه الديمقراطي".
عالقدس رايحين شهداء بالملايين
وقال عصفور، إنه "في اتفاق كامب ديفيد، رفض أبو عمار ما يزعمه اليهود من وجود الهيكل، واعتبر اليهود أن هذه نهاية الكون، وأبلغني شخصين منهم برسالة تعني الاغتيال، والتي نصت على "من ينكر تاريخنا وثقافتنا لا مكان له بيننا"، وعند تبليغي أبو عمار لهذه الرسالة قال، "فلسطين كلها من النهر للبحر وما تحتويه من حائط البراق والأقصى وغيرها، إن لم تكن فلسطينية مائة بالمائة فلا أريدها"، فقلت له ثانية، أن الرسالة هي تبليغ لاغتيال واضح، وأشعرني وقتها أنه لا يبالي".
وتابع، "عدنا في جولة إلى قرابة 7 دول آسيوية، وكان أبو عمار يرسي تقليد وتقديم دولة فلسطين وكأنه كان يودع الجميع، ومن هنا بدأ يتصرف مع الخطر القادم بزرع حقائق فلسطينية على الأرض، ولما عاد أبو عمار إلى فلسطين، كان بإمكانه أن يبقى في غزة بأمان دون الذهاب إلى الضفة، حيث أن الرئيس المصري حسني مبارك، أبلغه بأن لا يذهب إلى الضفة حتى لا يغتال، لكنه رفض واختار أن يذهب بإرادته، وأطلق شعاره الشهير "عالقدس رايحين شهداء بالملايين"، ومن هنا أدركنا أن المعركة انتهت، وتابع، عند حصار أبو عمار في المقاطعة كنا مجتمعين معه، ومع بدء تحرك الدبابات نحوه كان كل تفكيره كيف يقوم بتأميننا، دون أن يفكر في نفسه، وطلب مني الرحيل لأسباب معينة منها المتابعة الإعلامية والمفاوضات، فمنا من ذهب وكنت منهم، وآخرون بقوا معه.
يومًا بعد يومًا تتكشف حقائق جديدة وتظهر وثائق مكنونة في صدور وقلوب وذاكرة معاصري أبو عمار، تضيف رصيدًا جديدًا لهذا الخالد دومًا، فلروحه السلام.