الكوفية:خاص الكوفية: لطالما خاض الزعيم الخالد ياسر عرفات "أبو عمار" الكفاح ضد المحتل لتحقيق الاستقلال واتخذ لنفسه صورة الأب الحامل على كتفيه هموم وآمال الشعب الفلسطيني لتحقيق غايته في إنهاء الاحتلال وإقامة دولته المستقلة عاصمتها القدس الشريف، ومثلما فعل ذلك داخليًا كانت سياساته وتحركاته الخارجية في ذلك الاتجاه.
عرفات وعلاقته بعمقه العربي
أمن عرفات بمجموعة من المبادئ والمثل العليا لعل أبرزها "قيمة العروبة والتضامن العربي" التي تعتبر أبر الركائز الرئيسية في نظام عرفـات والتي كانت تشمل قيم مكافحة إسرائيل وتحرير فلسطين انطلاقا من العمق العربي.
كان أبو عمار يدرك تماما دور العالم العربي في إبراز موقف مناصر للقضية الفلسطينية، فهي لم تخضع لقوالب نظرية أو فكرية جامدة، إنما تطورت تدريجياً وفقـاً لتطـور خبرتـه الشخصـية المستمدة من طريقته في التعامل مع المستجدات والمعطيات المختلفة، وللمراحل التي تعرضـت لها مصر، وانعكاس ذلك على طبيعة هذا الدور.
الدور المصري تجاه القضية
منذ طفولته عاش ياسر عرفات في القاهرة، وتنقّل كثيراً مع والده ما بين فلسـطين ومصـر، حيث تعلّم في مدارسها، وتأثر بنمط الحياة المعيشية والثقافية فيها، والتحق بجامعتها فـي مطلـع الخمسينيات.
قام عرفات بفرض التدريب العسكري على الطلاب الفلسطينيين في مصر في صيف عام1951 استعداداً لمعركة طرد القوا الانجليزية من قناة السويس وقاعدتها في التل الكبير، تلـك المعركة التي قادتها الحركة الوطنية المصرية عام 1951.
أسس في العام 1952 اتحاد الطلبة الفلسطينيين في مصر، وهي السنة نفسها التي أقدم فيها جمال عبد الناصر والضباط الأحرار على القيام بثورة 23 يوليو / تموز وكان لهذا الاتحاد دور هام في توفير الكوادر تبلور التجربة السياسية والثقافية لحركة فتح، وهو الذي شكل اللبنة الأولى لأول تجربة كيانية فلسطينية علنية، كما كانت أول تجربة سياسية مكنته من الانخراط في الحياة السياسية المباشرة، وساعدته في تطوير نفسه إلي سياسي محترف، للحد الذي تم وصفه من قبل العديد" بالبراغماتي السياسي الذي أخضع الثقافة للسياسة".
كان مفهومه لدور مصر هو تحقيق عزتها وقوتها وطرد المستعمرين عن أراضيها، وتخليصـها مـن الارتباطات الأجنبية، وقيود اتفاقية كامب ديفيد، وإعادة مكانتها المرموقة.
الأردن واحتضان الثورة
بعد موافقة الأردن، بدأ تأسيس قواعد لحركة “فتح” على خطوط التماس المواجهة للضفة، وأقام معسكرات تدريب ومقر قيادة في قرية الكرامة بمنطقة غور الأردن.
وفي 1968، هاجم الجيش الإسرائيلي قوات “فتح” في “الكرامة”، وتصدى ياسر عرفات وقواته، المدعومة من مدفعية القوات الأردنية، للهجوم، ما أجبر القوات الإسرائيلية على الانسحاب.
وشكلت “معركة الكرامة” تحولا في حياة عرفات، حيث أعلن انتصار المقاومة ومحو عار هزيمة 1967.
لم يدم تواجد عرفات في الأردن طويلا، حيث غادرها عام 1971، متوجها إلى لبنان.
الطريق إلى فلسطين يمر عبر بيروت
أسس الشهيد ياسر عرفات في لبنان مقر قيادة في بيروت الغربية، و”قواعد مقاومة” في الجنوب اللبناني، المحاذي لشمال إسرائيل.
بدأت المقاومة الفلسطينية شن عمليات مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي انطلاقا من لبنان، نتج عنها اجتياح بيروت عام 1982 ليقود عرفات صمودا أسطوريا في وجه آلة الحرب الإسرائيلية استمر لـ88 يوما.
الذروة في تونس
على متن سفينة فرنسية، غادر عرفات بيروت إلى تونس مع عدد كبير من جنوده، بينما غادر آلاف المقاتلين الآخرين إلى شتى البلدان العربية ليعلن أبو عمار انطلاق مرحلة جديدة من الكفاح الفلسطيني ضد المحتل.
فتحت تونس ذراعيها لاستقبال قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، دونما تردّد؛ إذ يقول وزير الخارجية التونسي الأسبق الباجي السبسي إنها كانت من المرات القلائل التي اتخذ فيها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة خياراً خارجياً من دون الرجوع إليه، كما هرعت زوجة الرئيس وسيلة بن عمّار بنفسها لاستقبال المقاتلين والجرحى والقيادات أثناء وصولهم تباعاً؛ تشدّ من أزرهم وتعدهم بالنصر القريب والاستقلال.
ركز عرفات جهوده على العمل السياسي، إذ كانت مرحلة المكوث في تونس انتقالية نحو حل سلمي للقضية الفلسطينية.
الجزائر الوطن الثاني لعرفات
من الجزائر رأى الشهيد الراحل ياسر عرفات النور في نهاية النفق، كان يرى الدولة الفلسطينية المستقلة قريبة وليست بعيدة، وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1988، ومن قصر الأمم (نادي الصنوبر) في العاصمة الجزائرية، أعلن عرفات "قيام الدولة الفلسطينية المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف".
الإمارات ودعم فلسطين
كانت علاقة الزعيم الراحل مميزة مع دولة الإمارات العربية المتحدة فهي واحدة من الدول العربية صاحبة الموقف الثابت والذي لم يتغير منذ سنوات في دعم القضية الفلسطينية، ولم تتخلى يوما عن هذا الاتجاه.
وكانت الإمارات من أوائل الدول العربية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية التي أعلنها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في خطابه التاريخي عام 1988 بالمؤتمر الوطني الفلسطيني.
وبعد الاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية تجلت عدد مواقف لدولة الإمارات الداعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة عبر حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي كان يؤكد دائما على أحقية الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس.
وكان الشيخ زايد، أول المحتجين على انتهاك آرييل شارون للمسجد الأقصى ودعا مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وقتها وليم بيريز بأن تتحمل بلاده مسئوليتها وأن توقف الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للأمن والسلم بالشرق الأوسط.
الدور التوحيدي لعرفات
يلاحظ على مفهوم عرفات للوحدة العربية، أنه ركّز على ضـرورة تحقيـق هذه الوحدة من خلال مواجهة التحديات الخارجية وقيام العرب بدور فاعل في النظام الدولي ومن أقواله: "إن أمتنا العربية مستهدفة بمؤامرة كبرى متشعبة ومستمرة، هدفها تمزيق الأمة وفـرض واقع التجزئة والبلقنة عليها" .
الخلاصة
رؤية ومواقف الـزعيم الراحـل ياسر عرفات، تبين أنه لم يكن زعيماً عقائدياً يحدد مواقفه السياسية وفق أفكار ونظريات جامـدة، بـل كان يميل نحو النهج البراغماتي الواقعي تارةً، والثائر المبدئي تارةً أخرى.
بعد ستة عشر عاما من غياب الرئيس الراحل ياسر عرفات، يتبيّن كم أن الفراغ الذي تركه الرجل كان ضخما، وكم أن هذا الفراغ يزداد مع مرور الأيّام.
يزداد هذا الفراغ في غياب صعود قيادات شابة تأخذ المبادرة في الضفّة الفلسطينية في ظل انسداد كلّ الحلول السياسية من جهة، وإصرار إسرائيل على قضم الضفة شبرا شبرا من جهة أخرى.
اليوم وبعد مرور 16 عاما على غياب الخالد عرفات، غاب القرار الفلسطيني، وسط ضياع فلسطيني تسبب في تراجع أهمّية القضية الفلسطينية على الصعيدين العربي والعالمي.