- وزير الدفاع الإسرائيلي: إذا لم تطلق حماس كل المخطوفين فورا سنواجهها برا وبحرا وجوا حتى تدميرها
- وزير الدفاع الإسرائيلي: لن نتوقف عن القتال حتى إعادة جميع المخطوفين وإزالة كل التهديدات
في الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال الإسرائيلي بشتى الوسائل غير المشروعة، إلى السطو على كل ما هو فلسطيني، وخاصة في القدس، بهدف تهويدها، ليس جغرافيا فحسب، بل تاريخاً وهوية، يخرج كل من ضياء الجعبة وعبد الرحمن شبانة، ليؤكدا عروبة القدس، وتاريخها الحضاري، عبر بوابة الطباعة كفعل مقاومة ثقافيّ حضاريّ في القدس، يدحض الرواية الصهيونية، ومن بعدها الإسرائيلية، فاليمينية المتطرفة حتى في الولايات المتحدة التي أعلن رئيسها عن اعترافه بالمدينة المقدسة بما فيها الجزء المحتل في العام 1967، عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلادها إليها، لتلحق به دول سيطر عليها الهوس اليميني أو المصالح المتخيلة مع دولة الاحتلال، فهدف إلى ليّ عنق تاريخ القدس وجوهرها العربي الفلسطيني، بغية تحويله أداة مطواعة في خدمة "شبيبة التلال" وما لامس فكرهم حد التلاقي، أو يكاد..
جعل الجعبة وشبانة ذلك في معرض "طُبع في القدس: مُسْتملون جدد" في المتحف الفلسطيني ببلدة بيرزيت، والذي عرفه قيّماه بأنه "معرض يبحث العلاقة بين المطبوعات وأهل المدينة، ويختبر حساسيّتهم تجاهها، سواء كان محتواها سياسياً أم تعليمياً أم ثقافياً أم سياحياً أم اقتصادياً، من خلال تحرّي مهنة المُستملي، كما يحاول تفكيك ثنائية الظهور والاختفاء التي اتسمت بها منشورات التحرّكات المجتمعية وليدة المدينة، تلك التحرّكات التي ناورت المؤسسات المسيطرة وأدوات رقابتها المفروضة على النسيج المديني المقدسي".
وشدد القيّمان على أن "الطباعة والعمليات المرتبطة بها تتجاوز الآلات والشخوص، وتفرز أدوات جديدة غيّرت المفاهيم التقليدية المتعارف عليها، فلم تعد الورقة هي وسيط الكتابة الوحيد. ولم يعد تحرير المطبوعات ونشرها وتوزيعها يمرّ بذات القنوات دون التأثر والخضوع للمستجدات التي فرضها الواقع المعاصر، بحيث يطرح المعرض عديد التساؤلات من قرية: هل أنتج الواقع مُستمْلين جدداً؟ ما هي طبيعتهم وما هو شكلهم؟.. ما يحكم المُستملين الجدد في دورهم كوسيط بين المقدسيين والمطبوعات في ظل هذا الواقع؟
والمُستمْلي، كما أشار الجعبة لـ"أيام الثقافة"، هو القارئ لمخطوطة الكتاب الأصلية ومُمْليها على الناسخين، أي هو الوسيط بين المؤلف وجمهور قرّائه.. "تاريخياً لم تستقر وظيفة المُستمْلي كناقل للمحتوى، بل تجاوزت ذلك لتتخذ بعداً رقابياً، حيث منع وحذف وروّج بما يتناسب مع معتقداته وتوجهاته الفكرية".
والمتجول في المعرض، الذي هو المحطة الثانية في رحلة معرض "طُبع في القدس" الذي افتتح في متحف التراث الفلسطيني بمؤسسة دار الطفل العربي في القدس، أواخر العام 2018، يجد أنه يتكئ على مجموعة المطبعة العصرية (مطبعة لورنس)، والتي تم التبرع بمعظم أدواتها للمؤسسة في العام 1998، وهي المطبعة التي تأسست مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، واستمرت بالعمل على ثمانينيات القرن نفسه، بحيث يتوسع عن سابقه في الفكرة، مستعرضاً دور المدينة السياسي والسياحي والثقافي والاقتصادي، ويمنح مساحة للباحثين والمهتمين للبناء على عديد تفاصيله باتجاه إنتاجات أكاديمية أو بحثية أو حتى فنية مغايرة، ليؤكد أيضاً دور القدس الريادي على أكثر من صعيد، وعلى ومضات من حياتها الثقافية، وحياة أهلها الاجتماعية، علاوة على استعراض نشاطها الاقتصادي والتجاري، وذلك عبر استكشاف مجموعة المطبعة العصرية وأرشيفات أخرى، بهدف استقراء مستحدث لواقع المدينة المعاصر.
ووفقاً للجعبة، كان الهدف من نقل المعرض إلى المتحف الفلسطيني، علاوة على التوسع في مضامينه، إطلاع أكبر عدد من الجمهور على تفاصيله، لكن انتشار جائحة "كورونا" حال دون ذلك، فتم افتتاحه إلكترونياً، والآن يتاح بأقل الأعداد لممثلي الوسائل الإعلامية المختلفة، ووفق البروتوكولات الصحية وشروط السلامة العامة، على أمل أن يُفتتح تدريجياً للجمهور، وفق ذات الإجراءات، وتبعاً للحالة الوبائية في فلسطين، مشيراً إلى أن الجديد في هذه النسخة من المعرض، هو البحث عن فكرة الرقابة عبر وظيفة "المُستملي" التي اختفت مع مرور الزمن، لافتاً إلى أن استخدام "الكليشيهات" والمطبوعات الأصلية في مطابع القدس، خرج في هذه النسخة من المعرض، بطريقة غير نمطية، حيث مزج ما بين العرض، وما بين أعمال فنية تركيبية، وتسجيلات فيديو، وعروض بصرية سمعية متنوعة كانت لها إضافات مهمة لفتح مساحات أكبر على هذا العالم الواسع والحيوي من تاريخ القدس.
وفي المعرض تفاصيل كثيرة، وقطع أكثر، ومجسمات، وفيديوهات، تفتح مساحات رحبة على تاريخ القدس في الحقبة الأردنية، وما سبقها، فالخرائط التخطيطية على سبيل المثال، والتي ارتبطت بحي الشيخ جراح ومنطقة وادي الجوز، شمال البلدة القديمة، توضح حجم ما كانت تحويه تلك المنطقة من مؤسسات سياحية كالفنادق وعددها تسعة وعشرون، وشركات الطيران العربية والأجنبية وعددها عشر، وبينها الخطوط الجوية الكويتية، وشركة الخطوط الجوية للجمهورية العربية المتحدة، وشركة الخطوط الأردنية (عالية) بطبيعة الحال، علاوة على تسع مدارس، وثماني قنصليات بينها القنصلية السعودية والأميركية التي اغتالها ترامب، وغيرهما، علاوة على خمس مشافٍ، وعشرة مواقع ومؤسسات دينية، وثلاث دور سينما هي: النزهة التي هي الآن المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، والحمراء التي هي الآن قاعة مؤتمرات وأفراح تحمل الاسم ذاته، والقدس التي باتت مقر مركز يبوس الثقافي، وثلاث صحف (الجهاد، والدفاع، والمنار)، وثمانية بنوك، وأربعة مطاعم، وثلاثة وثلاثين موقعاً آخر متنوعاً.
ويظهر المعرض، من بين ما يظهر، وتحت عنوان "البيان السادس"، كيف كانت القدس في انتفاضة الحجارة، وتحديداً مطابعها، مقراً لتهريب بيانات القيادة الموحدة، وهو ما صيغ على شكل عمل فني يحمل شيئاً من ملامح التركيب، كما يشهد أنه طُبع في القدس عديد الكتب والكراسات والمناهج التعليمية، ومنها ما وضعها خليل السكاكيني، وهي تلك المناهج التي وُزّعت على جميع مدارس المدينة والمدن الفلسطينية المختلفة، والتي تنقلت بين أيدي طلبة المدارس في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
ومما هو لافت في المعرض الذي تحيل "كليشيهاته" إلى علاقات القدس المنفتحة على مدن فلسطينية قريبة وبعيدة، وعلى عواصم ومدن خارجها، وهي تتوزع على ما يحويه "طبع في القدس" من زوايا تتعلق بالتعليم، والصحافة، والثقافة، والاقتصاد، والسياحة، وغيرها، كما كان لافتاً ذلك العمل التركيبي الذي هو عبارة عن مجموعة من الجوارير والصناديق التي استخدمت لحفظ "كليشيهات" الأحرف والأرقام والدعايات التجارية والنشرات السياحية والكتب التعليمية في خزائن "مطبعة لورنس".
ويُفتتح المعرض في مدخله بالحديث عن تجربة هند الحسيني في تأسيس مؤسسة دار الطفل العربي بالقدس، فيما يختتم بالحديث عن فاطمة المُحِب، التي تخرجت في الفنون من القاهرة فالولايات المتحدة، ثلاثينيات القرن الماضي، وكانت من أبرز من يرسمون في الكتب التعليمية ما قبل النكبة، وخاصة تلك المطبوعة في القدس، ما يدلل على دور المرأة الريادي في هذا الجانب الحضاري الثقافي المهم المتمثل بالطباعة.
عن الأيام