الكوفية:تحتل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للولايات المتحدة الأميركية ولقاؤه مع الرئيس دونالد ترامب، وهو اللقاء الأول مع زعيم أجنبي، أهمية بالغة في تصميم مستقبل المنطقة. واستقبال نتنياهو في البيت الأبيض، في هذه المرحلة المبكرة، يعبّر عن رغبة الرئيس الأميركي في إحداث تغيير جوهري في المنطقة لجهة تهيئة الظروف لصفقاته الكبيرة. فهو معني بوقف الحرب في غزة ولبنان، والتوصل إلى صيغة ما لحلٍّ على الجبهة الفلسطينية - الإسرائيلية حتى لو كان هذا الحل مؤقتاً أو مجرد إعلان نوايا، ومعني بالحصول على الصفقة الأهم مع السعودية التي تشمل استثمارات سعودية ضخمة في الولايات المتحدة وتطبيعاً لعلاقات إسرائيل مع السعودية، ومحاصرة وتطويع إيران. هذا ما يخص منطقتنا في هذه المرحلة. ولكن ترامب في الحقيقة سارع بفتح جبهات عديدة وهو يستعجل الحصول على نتائج سريعة، وفي هذا الأمر تكمن العقدة.
اللقاء مع نتنياهو سيبحث كل قضايا المنطقة بدءاً باستكمال صفقة تبادل الأسرى وإنهاء الحرب. وهناك في الواقع سيناريوهات عديدة لنتائج هذا اللقاء الذي تم التمهيد له من خلال المبعوثين، وسيستكمل كذلك بالتفصيل معهم. أحد السيناريوهات التي يمكن الاتفاق عليها بين الرجلين هو إكمال مراحل صفقة التبادل مقابل حصول نتنياهو على دعم أميركي بضم أجزاء من الضفة الغربية، وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية. هذا السيناريو في الواقع يحل مشكلة كبيرة لنتنياهو مع حلفائه في الائتلاف الحاكم، فهو قد وعدهم باستئناف الحرب بعد المرحلة الأولى، وإلا فإن الحكومة ستسقط. ولكن مع موافقة أميركية واضحة بالسماح لإسرائيل بضم مناطق (ج) أو قسم منها، سيكون من الصعب على بتسلئيل سموتريتش الوزير المسؤول عن الاستيطان أن يسقط الحكومة عندما يكون مشروع حياته الأهم في متناول اليد. وترامب تحدث صراحة أنه ينوي الحديث مع نتنياهو حول مسألة الضم. وهو سبق وأن صرح بأن إسرائيل دولة صغيرة المساحة، وبالتالي فهو يتفهم أن تسعى لزيادة مساحتها من الجيران طبعاً.
السيناريو الثاني، هو السماح لنتنياهو بمواصلة قتال «حماس» ولكن بطريقة مختلفة عن السابق، ربما في وضع يشبه ما يحدث في الضفة الغربية عمليات اغتيال واجتياحات محدودة، وسيطرة أمنية كاملة على قطاع غزة. وقد يستطيع نتنياهو تسويق ذلك من خلال صور الاستعراضات العسكرية التي قامت بها «حماس» والتي تعني أن مهمّته لم تكتمل. وقد يكون هناك تفاهم سري بأن يكمل نتنياهو الصفقة ثم يعود للعمل العسكري المحدود في غزة. وفي هذه الحالة يقنع نتنياهو سموتريتش بالبقاء في الحكومة على أساس أنه سيعود للقتال ولو بعد حين، وفي نفس الوقت يمنحه الدعم لتسريع وتيرة الاستيطان والضم. وهذا سيكون في ظل تعهد أميركي بتطبيق مخطط التهجير.
وهناك سيناريو ثالث، وهو التوصل إلى تطبيع بين إسرائيل والسعودية مقابل وقف الحرب وإعلانٍ إسرائيلي غامض عن حل الدولتين. وبهذا يحقق نتنياهو ما كان يحلم به كل زعماء إسرائيل، وسيعتبره الإنجاز الأهم في حياته. وهذا كفيل ليس فقط ببقاء ائتلافه الحكومي، بل ربما يضمن له فوزاً في الانتخابات القادمة بعدما يكون قد تخلص من كل القيادات العسكرية والأمنية التي يلقي على عاتقها مسؤولية الفشل في هجوم السابع من أكتوبر، وهو قد بدأ فعلاً التمهيد لذلك بعد دفع رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي للاستقالة، والدور يأتي على البقية في أقرب وقت.
أما السيناريو الأسوأ، فهو منح نتنياهو كل شيء، بمعنى الموافقة على ضم أجزاء من الضفة وحرية لاستئناف القتال، وتهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى لتقليص عدد سكان قطاع غزة والضفة الغربية كذلك. وترتيبات في غزة تنسجم مع الموقف الإسرائيلي، وعلاقات مع السعودية دون ضمان قيام دولة فلسطينية. وهذا السيناريو الصعب ليس مستحيلاً بالنظر إلى التوافق التام بينهما. وسيكون مطلوباً من نتنياهو ألا يعيق صفقات ترامب، وأن يلتزم الهدوء عندما يطلب منه، بما في ذلك وقف القتال لفترات محدودة.
والذي لا يبدو واقعياً هو سيناريو أن تلزم الولايات المتحدة إسرائيل بالموافقة على الانسحاب الكامل من قطاع غزة، والذهاب نحو تسوية سياسية شاملة تضمن قيام دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة في إطار حل إقليمي - دولي. وهذا يعني استبدال نتنياهو وإحداث تغيير كبير في المنطقة. وهذا لا يبدو واقعياً رغم كونه منطقياً؛ لأن ترامب سبق وسمح لإسرائيل ضم 30% من مساحة الضفة الغربية. وهو يتبنى أفكار اليمين العنصري الإسرائيلي بشأن التهجير، وكل طاقم مساعديه من المتطرفين المؤيدين لإسرائيل بلا أي تحفظ، وبعضهم حتى ينكر وجود الشعب الفلسطيني.
وإذا ذهب ترامب لسيناريو لا يقبله الشعب الفلسطيني، وهذا غالباً ما سيحصل، سيفشل مرة أخرى، ولن يحصل على جائزة نوبل للسلام كما يحلم، وستنتهي ولايته الثانية والأخيرة بفشل ذريع على كل المستويات. والرهان في الحقيقة على المملكة العربية السعودية؛ فبيدها مفتاح على درجة كبيرة من الأهمية، وترامب يحتاجها لمشاريعه الاقتصادية الكبرى ويمكنها أن تفعل الكثير. لكن على القيادات الفلسطينية كلها واجب لا يقل أهمية لمواجهة خطر ترامب، وهو الإسراع في تدارك الانهيار الحاصل في الوضع الداخلي واستمرار الانقسام والتشرذم، وكل أمراض السلطة المدمرة. فمن دون إعادة الاعتبار للدور القيادي الفلسطيني الموحد وامتلاك زمام المبادرة، سيكون المجال متاحاً لكل من أراد أن ينكّل بنا. فلنبدأ بأنفسنا وبعدها نطالب العالم بالوقوف معنا.