رام الله: أفرجت سلطات الاحتلال، يوم الخميس الماضي، عن الأسير زكريا الزبيدي أحد أبرز قيادات حركة فتح، وقائد جناحها العسكري كتائب شهداء الأقصى بالضفة الفلسطينية، ضمن الدفعة الثالثة من المرحلة الأولى لصفقة وقف إطلاق النار بقطاع غزة وتبادل الأسرى.
مناضل حر لا يعرف الهزيمة
وولد زكريا بمخيم جنين للاجئين الفلسطينيين عام 1976، وله 7 إخوة، حيث تربى يتيم الأب، قبل استشهاد والدته سميرة وشقيقه طه خلال الاقتحام الكبير لمخيم جنين عام 2002 ضمن عملية السور الواقي.
أصيب زكريا بعمر 13 عاما بالرصاص خلال مواجهات مع قوات الاحتلال واعتقل لأول مرة بعمر 15 عاما، وجكم عليه بالسجن لمدة 6 أشهر.
ويعتبر الزبيدي من القادة العسكريين البارزين حيث يمتلك تاريخا طويلا في مقاومة الاحتلال وقاد المجموعات المسلحة إبان اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وقيل عنه في وسائل الإعلام الإسرائيلية إنه "الحاكم الفعلي لجنين".
وعام 2002، وإبان إعادة الجيش الإسرائيلي احتلال الضفة الغربية، شن معركة ضارية في مخيم جنين، أسفرت عن استشهاد 52 فلسطينيا، ومقتل 23 جنديا، وخلفت المعركة دمارا كبيرا في منازل الفلسطينيين.
تضحيات كبرى
هدمت قوات الاحتلال منزل زكريا الزبيدي 3 مرات، واستطاع أن ينجو 4 مرات من محاولات اغتيال، أبرزها في 2004، حيث قتلت القوات الإسرائيلية 5 فلسطينيين، بينهم طفل (14 عاما)، بعد استهداف مركبة كان يُعتقد أن الزبيدي فيها.
وفي العام ذاته، اقتحمت قوة إسرائيلية خاصة مخيم جنين لتصفية الزبيدي، لكنها اشتبكت مع مقاومين، ما أدى إلى استشهاد 9 فلسطينيين، وتمكّن زكريا من الفرار.
عام 2005، كُشف كمين لقوات إسرائيلية خاصة قرب منزل تحصن فيه الزبيدي، وفي 2006، حاول الاحتلال اعتقاله غير أنه فشل وتمكن زكريا من الفرار.
في 15 مايو/أيار الماضي، استشهد شقيق زكريا، داوود في مستشفى "رمبام" في كدينة حيفا المحتلة، متأثرا بجراح أصيب بها في اشتباكات مسلحة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنين.
وفي سبتمبر/أيلول 2024 قتل الاحتلال نجله محمد مع عدد من المقاومين في غارة جوية بمدينة طوباس شمالي الضفة الفلسطينية.
اعتقال وهروب أسطوري
بقي زكريا بمدينة رام الله وسط الضفةالفلسطينية، حتى اعتقاله من قبل قوات إسرائيلية بتاريخ 27 يناير/كانون الثاني 2019.
واتهمت إسرائيل الزبيدي والمحامي الفلسطيني طارق برغوث -آنذاك- بالتورط في "أنشطة تحريضية جديدة".
وحينها، وصف الضابط السابق في "الشاباك" الإسرائيلي يتسحاق إيلان، الزبيدي، بأنه "قط شوارع، لطالما حاولنا الإمساك به لكنه أفلت من أيدينا، والآن أعيد اعتقاله لانخراطه مرة أخرى في أنشطة إرهابية".
في 6 سبتمبر 2021 نجح في الهروب من زنزانته برفقة 5 من رفاقه في الأسر من سجن جلبوع شديد التحصين عبر نفق حفروه وأعيد اعتقالهم بعد أيام.
التنين والصياد
حصل الزبيدي على الثانوية العامة، ودرجة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية، رغم حياة المطاردة والمقاومة والاعتقال، وحضّر لرسالة ماجستير في جامعة بيرزيت الفلسطينية، تحت عنوان "الصياد والتنين.. المطاردة في التجربة الفلسطينية من عام 1968-2018".
وتقمّص الزبيدي شخصية "التنين" المستمد من أسطورة قديمة، تكون فيها الغلبة للتنين على الصياد، بعد مطاردة طويلة وصعبة، في إشارة إلى تجربته الشخصية مع الاحتلال.
وفي أطروحة الماجستير، تطرق زكريا إلى رحلة هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وربطها بالواقع الفلسطيني.
وفي هذا الشأن، يقول صديقه جمال حويل، "زكريا كأنه خطط للهرب من السجن قبل دخوله، عبر وصف رحلة الهجرة النبوية بواقع الحال الفلسطيني للخروج من مأزقه".
وعن عدم قدرة زكريا على إتمام رسالة الماجستير، يقول حويل "اليوم استطاع زكريا أن ينهي رسالته، بتجربة عملية (من خلال فراره من السجن)، حتى تكون رسالة للأجيال القادمة".
موعد مع الحرية
وتحرر زكريا الزبيدي، ضمن الدفعة الثالثة من المرحلة الأولى لصفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية في غزة.
وخرج ابن جنين من السجن، في وقت تتعرض فيه المدينة ومخيمها لعدوان إسرائيلي متواصل منذ 10 أيام، مخلفة شهداء وجرحى ودمارا هائلا بالمنازل، شمالي الضفة الغربية.
وأطلق سراح الزبيدي إضافة إلى 109 أسرى آخرين مقابل أسيرتين إسرائيليتين هما أربيل يهود وآجام بيرغر إضافة إلى أسير ثالث وهو غادي موزيس.