أعرف أن كثيرين سيسخرون من العنوان حتى دون أن يتجشموا عناء القراءة، وأعرف أن كثيرين سيقولون إن العرب والمسلمين تنحوا عن المنصة منذ أكثر من خمسمئة سنة على الأقل، وسيقول آخرون إن النظام العالمي الآخذ في التشكل سيخلو من الأخوة العرب والمسلمين تماماً ، فالأقطاب العسكرية والسياسية والاقتصادية تتجاوزهم ولا تأخذهم بالحسبان ولا تدخلهم في حساباتها رغم كل ما يتمتعون به من ثروات وكفاءات ومساحات.
وسيقول آخرون أيضاً إن العرب والمسلمين سيُعاملون كما هم الآن، مجرد مستهلكين أو دول فاشلة أو مناطق للنفوذ والاشتباك أو مناجم للثروات التي يطلبها العالم المتقدم، وإنهم لا يتحضرون ولا يمكنهم استيعاب الحداثة ولهذا من الأفضل تركهم يتذابحون ويتقاتلون على لا شيء. وبالمناسبة هذه من نظريات يقول بها بعض علماء السياسة والاجتماع الأمريكيين.
هذه الصورة القاتمة قد تكون صحيحة لسبب أو لآخر أو لظرف أو لآخر، ولكن يستحيل أن تكون هي الصورة النهائية لخير أمة أخرجت للناس، ذلك أنها تقدم للبشرية مفهوم الخيرية والفعالية والانسجام والتناغم ما بين الله والطبيعة والمجتمع. لا يمكن لأمة خصها الله بهذه المفاهيم والقيم أن تنزل عن المنصة بهكذا ذل وخضوع واستسلام.
هذه أمة تمتلك تصوراً ايجابياً وفعالاً عن ذاتها ولا يمكن لها أن تقبل الهزيمة أو الغياب أو الاستسلام. أعتقد جازماً أن الصورة الإيجابية التي تمتلكها الأمة عن ذاتها هي التي تقف وراء كل هذا الاضطراب السياسي والفكري الذي نراه يعصف بالأمة منذ عدة قرون.
أقول هذا الكلام وأنا- مثل شعبي- انتظر أن توضع قرارات القمة الطارئة للأمتين العربية والإسلامية التي عقدت في الرياض مؤخراً موضع التنفيذ والترجمة، أنتظر مثل كل فرد في شعبي أن تبادر الأمة العربية والإسلامية إلى ترجمة مصالحها ومصادر قلقها وهواجسها إلى أفعال وسياسات وتحالفات ليس لكبح جماح العدوانية الإسرائيلية فقط، وإنما لكبح جماح المطامع الغربية الاستعمارية التي لا تخفي تأييدها غير المتحفظ للسياسات العدوانية الاسرائيلية. إن كل دولة عربية وإسلامية تغرق عمداً وقصداً بمشاكل وأزمات لخنقها ومنعها من أن تقدم العون لشعبها أولاً وللشعب الفلسطيني ثانياً. إن كل دولة عربية وإسلامية تواجه أزمات وصراعات داخلية، إثنية أو طبقية أو سياسية أو جهوية، وتهديدات خارجية كتهديدات من الأخوة أو من الدول المجاورة – تتمثل في الغزو أو الحصار أو الضم، أو تهديدات دولية فعلية أو ارتهان القرار أو الهيمنة السياسية أو النفوذ الاقتصادي. هذا يعني أن معظم الدول العربية والإسلامية تجد نفسها، لضعفها أو لهشاشتها الداخلية أو لخوفها من الغزو أو الانهيار أو الضم أو التفكيك، تجد نفسها مضطرة إلى القفز في حضن الاستعمار الغربي طالبة الحماية أو الوقاية أو الرضى أو على الأقل عدم التعرض لها.
ومشكلة الدولة العربية والإسلامية في معظمها هي طبيعة العقد الاجتماعي الذي لا يحدد المهام والأدوار ولا المرجعيات، فتجد حالة من اختلاط الحابل بالنابل والحامل بالهامل والسافل بالجاهل، العقد الاجتماعي الذي يضطرب كل مرة باضطراب التغيير أو حتى المطالبة بالتغيير. العقد الاجتماعي الذي يتحول إلى أن يكون مجرد قرار بيد شخص أو طغمة او حزب أو عسكرتاريا تعتقد أنها ملهمة.
نقول هذا الكلام ونحن ننتظر أن يتحرك العالم العربي والإسلامي ليحافظ على مصالحه وعقائده ومرجعياته، ومن ضمن ذلك كله القضية الفلسطينية، فالدفاع عن الشعب الفلسطيني وإنقاذه مما يواجهه من قتل وجوع وتشريد هو جزء لا يتجزأ من دفاع الأمة العربية والإسلامية عن ذاتها. نحن ننتظر دائماً الجهد العربي الإسلامي مهما طال الانتظار، لأنه بدون هذا الجهد تبقى الصورة ناقصة إلى حد بعيد.