خاص: على مسافةٍ لا تتجاوز كيلو مترٍ واحد من السور الشرقي للمدينة القديمة في القدس المحتلة، تقف البنايات العتيقة عنوانا للصمود والمقاومة، تشكل فيما بينها خارطة العودة والتحرير العصية على كل مشاريع التصفية ومحاولات التهويد التي يمارسها الاحتلال بحق الشيخ جراح أرضًا وسكانًا.
مبانٍ ظاهرها الحجارة وباطنها الفولاذ كقلوب سكانها، تقاوم كل ممارسات الاحتلال لهدمها وتشريد أهلها قبل إحلال المستوطنين بدلًا منهم في أرض فلسطين التاريخية.
تاريخ عريق
الشيخ جراح، تلك المنطقة العريقة التي أوقفها القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي، جزءًا من مستشفى يديره طبيبه الخاص حسام الدين الحسين بن شرف الدين عيسى الجراحي، لتكتسب اسمها منه وتمر السنوات لتصبح حديث الشاشات وعدسات المصورين حول العالم، بما تتعرض له من اعتداءات إسرائيلية متواصلة بحق البشر والحجر.
في عام 1965 بدأ المقدسيون في بناء منازل لهم على أراضي الشيخ جراح، فوق أراضٍ صنّفها العثمانيون وقفًا إسلاميًا، وأقاموا فيها وأورثوها لنسلهم من بعدهم، وحين وقع عدوان 1956 خصصت الوصاية الأردنية أراضي وقفية هناك لإقامة منازل تؤوي 28 عائلة من اللاجئين الفلسطينيين.
بحلول يونيو/حزيران عام 1967م، بدأ الاحتلال الإسرائيلي في قضم الأراضي الفلسطينية دونمًا بعد دونم، بهدف القضاء على الوجود العربي في مختلف مناطق الضفة.
قصة الفرار
في عام 1880 وصل للقدس اليهودي يوسف بن رحاميم قادمًا من أوروبا هاربًا من الاضطهاد الذي طال اليهود هناك، واستأجر قطعة أرض في حي الشيخ جراح من مواطن مقدسيّ يدعى عبد ربه خليل بن إبراهيم، بنظام التحكير الذي كان يتيحه القانون العثماني آنذاك، والذي يتمثل في أحقية المستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة دون تملّكها، ثم إعادتها إلى المؤجِّر بعد 90 عاما، لكن الاحتلال سعى منذ عام 1948م، إلى احتلال الحيّ لما يمثله من أهمية إستراتيجية، وهو ما لم تنجح فيه قبل عام 67.
في 1972م، بدأ الاحتلال ومستوطنوه في تزييف أوراق ملكية لأراضي منطقة كرم الجاعوني بالشيخ جراح، وبدأت جماعات استيطانية أشكانزيّة وسفارديّة تسجيلها وشرعت بزرع وحدات استيطانية هناك، ومع انتهاء فترة التحكير حاول المواطنون استعادة أرضهم لكن محاكم الاحتلال العنصرية حالت دون ذلك.
بداية الإجلاء
بحلول عام 2008 بدأت جماعة «نحلات شمعون إنترناشيونال» الاستيطانية في هدم أجزاء من الحيّ وإقامة مستوطنة كبيرة تفصل أحياء القدس العربية عن البلدة القديمة، ونجح المستوطنون في تهجير 3 عائلات قسرًا في عام 2008 هي عائلات «الكرد وغاوي وحنون»، ليبدأ انفراط العقد لتستمر سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية بحق الحي وأهله، والتي يأتي أحدثها اقتحام قوات الاحتلال حي الشيخ جراح، يوم أمس، الأحد، لتوفير الحماية للمستوطنين الذي انتشروا في الشوارع والطرقات واحتشدوا في محيط منزل عائلة سالم، واعتدوا على المواطنين وممتلكاتهم، وأقاموا خيمة للمتطرف بن غفير الذي أعاد فتح مكتبه اليوم هناك، وسط إدانات عربية ودولية.