خاص: لا يزال التوتر في أوكرانيا حديث العالم، مع تزايد لهيب التصريحات الرسمية والتسريبات التي تنشرها الصحافة الغربية عموما، والأمريكية خصوصاً، حول نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشان الحرب على أوكرانيا.
مع تفكك الاتحاد السوفيتي برزت دول شرق أوروبا كمنطقة عازلة بين القوتين الأبرز، روسيا وحلف شمال الأطلسي الناتو.
وفي ظل حالة الارتياب والصراع البارد بين القوتين، سعت موسكو لجذب دول أوروبا الشرقية نحوها لتكون قوتها وسياستها هي المهددة للجارة الأوروبية اللدودة، إحدى تلك الدول هي أوكرانيا التي كانت جزءا من الإمبراطورية الروسية، ثم جمهورية سوفيتية، فدولة مستقلة ليست عضوا في أي من الاتحاد الروسي أو الأوروبي.
في العام 2019 أقرت أوكرانيا تعديلات دستورية تؤكد التمسك بالانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، الذي تراه روسيا خطرا عليها، وضاق قادة موسكو ذرعا بهذا التقارب الأوكراني الغربي.
تقارير المخابرات الغربية تتحدث عن غزو وشيك لأوكرانيا في وقت ما من العام الجاري، أخطر من غزو عام 2014 واحتلال القرم، بينما تنفي روسيا أي نوايا لمهاجمة أوكرانيا عسكريا، وتتهم الغرب باستغلال الأزمة لإلحاق الضرر بموسكو.
الأزمة منذ العام 2014 أخذت في التفاقم، روسيا تحشد قوات على حدودها الغربية، بينما تطلق أوكرانيا مناورات تحاكي صد هجوما للقوات الروسية.
على وقع تصاعد التوتر على حدود أوكرانيا الشرقية نتيجة حشود عسكرية روسية، ترى فيها تقارير استخباراتية أمريكية تحضيرات لغزو محتمل، وعليه، عقد الرئيسان الأمريكي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، في السابع من كانون الأول/ ديسمبر 2021 قمة افتراضية عبر تقنية الفيديو تناولت الأزمة وسبل مواجهتها.
وهدد بايدن باتخاذ إجراءات اقتصادية وسياسية صارمة ضد روسيا في حال قيامها بعمل عسكري ضد جارتها الغربية، وأكد دعم بلاده سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها ودعوته للعودة إلى المسار الدبلوماسي، في حين أصر بوتين على رفض بلاده انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ونشر قوات وأسلحة هجومية على أراضيها، وتعزيز قدراتها العسكرية.
وحذرت الولايات المتحدة ودول أوروبية، موسكو من القيام بالغزو مهددة إياها بفرض عقوبات صارمة على روسيا في حال دخول قواتها الأراضي الأوكرانية.
في الحصيلة، لا تريد واشنطن تصعيدًا مع موسكو، ولا تسعى الأخيرة أيضًا إلى ذلك؛ فتداعياته الاقتصادية الوخيمة سوف تشمل الجميع، خصوصًا في ظل جائحة كورونا، ما يعني أن احتمال إحياء مسار مينسك الدبلوماسي يبقى الأرجح، في انتظار ظروف أفضل في المستقبل يتحيّنها كل طرف ليحقق أهدافه.
إجلاء يهود أوكرانيا
أبدت دولة الاحتلال الإسرائيلي اهتمامًا خاصا بتفاقم الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، حيث اجتمع ممثلو مختلف المكاتب والمجموعات الحكومية الإسرائيلية، لمناقشة احتمال إجلاء آلاف اليهود الأوكرانيين الراغبين في الهجرة إلى إسرائيل في حالة اندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا.
وأفاد تقرير الاجتماع، بأن قرابة 75 ألف شخص يعيشون في شرق أوكرانيا يُعتقد أنهم مؤهلون للحصول على الجنسية الإسرائيلية، حسبما نشرته عن صحيفة "هآرتس" العبرية.
وأضاف التقرير، أن إسرائيل لديها خطط لإجلاء جميع اليهود من مختلف البلدان العالم منذ فترة طويلة إذا دعت الحاجة، وأنها قامت بتحديث تلك الخطط الخاصة بأوكرانيا بسبب التوترات المتزايدة، فهناك مخططات كثيرة لإجلاء يهود في حال كانت هناك حاجة لإنقاذهم بسرعة وفي ظروف أمنية، هذه البرامج تم تحديثها بصورة تتلائم مع وقوع غزو روسي، لكن حتى الآن ليس من المعروف أنه ستكون هناك حاجة لتنفيذها.
وتمر القضية الفلسطينية في المرحلة الراهنة بمنعطف دقيق وبالغ الخطورة، نظراً للتحولات الجارية على الساحتين الدولية والإقليمية.
بينما ينظر الجانب الأمريكي إلى علاقاته مع إسرائيل انطلاقاً من حسابات تتعلق بتوازنات السياسة الداخلية في البيت الأبيض، فيما يحرص الجانب الروسي من جهته على المحافظة على ما بقي له من مصالح في الوطن العربي
ولم يعد ثمة خيار أمام الشعب الفلسطيني سوى الاعتماد على قدرة أبنائه على الصمود من أجل تجسيد مشروع التحرر الوطني الفلسطيني.
وقال أستاذ الاقتصاد وإدارة الأزمات، د. عبد اللطيف درويش، إن الصراع بين روسيا وأمريكا والغرب بشأن أوكرانيا، يتمحور حول الطاقة ومصادر المياه، بالإضافة إلى الحفاظ على أمن روسيا.
وأوضح درويش، في مقابلة مع "الكوفية"، أن دول الغرب والولايات المتحدة، تتفادى تقديم ضمانات لروسيا من حيث توسع الناتو في أوكرانيا.
وأكد، أن من مصلحة القضية الفلسطينية والقضايا العالمية، نمو قوة إقليمية جديدة، حتى يكون هناك توازن بين القوى العالمية.
وشدد درويش على أنه يجب على دول الغرب احترام المصلحة القومية الروسية بعدم التوسع في أوكرانيا، بالإضافة إلى تقديم ضمانات تؤكد عدم التوسع.
وأشار إلى أن أمريكا ودول الغرب لن تدافع عن أوكرانيا، لافتا إلى أن احتمالات الحرب مازالت قائمة، حيث أن روسيا يمكن أن تحتل المناطق الشرقية من أوكرانيا.
من جهته، قال المختص في شؤون الشرق الأوسط، د. محمد أبو سعدة، إن روسيا والصين من الدول التي كانت دائما تعمل ضد التفرد الأمريكي في العالم.
وأكد أبو سعدة لـ"الكوفية"، أن الدول العربية الكبرى لا تزال تراهن على أن الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون لها الكلمة العليا في الصراع الروسي الأوكراني.
وأوضح أبو سعدة، أنه سيكون هناك انعكاسات خطيرة على القضية الفلسطينية، نتيجة الأزمة الروسية مع دول الغرب والولايات المتحدة حول أوكرانيا.
وتابع، يأتي ذلك، في وقت تعاني فيه منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، من حالة شيخوخة، وانحراف لدورهما الرئيسي في خدمة القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن صناع القرار في حالة تغييب عن المشهد الدولي.
وأضاف، أنه في حالة كان هناك تحرك من صناع القرار في فلسطين، حول الأزمة الروسية الأوكرانية، سيكون ضعيفا جدا، مؤكدا الحاجة إلى قيادة فلسطينية شابة ومدركة لمجريات الأحداث التي تدور حولها.
وشدد أبو سعدة، على أن القيادة الفلسطينية الحالية عاجزة عن تقديم أي حلول جدية حول الأزمة الروسية الأوكرانية.
بدوره، قال الأكاديمي والمختص في الشؤون الدولية د. علاء أبو عامر، إنه قد تم عقد تحالفات تمثلت "روسي، صيني، إيراني، كوري شمالي، وبعض دول الاتحاد السوفيتي السابق مثل بيلاروسيا وكازاخستان وفنزويلا وكوبا، إضافة إلى سوريا"، مقابل تحالف حلف الناتو.
واستبعد أبو عامر، في تصريحات صحفية، أن يؤدي الغزو الروسي لأوكرانيا إلى حرب عالمية ثالثة، فالغرب سحب مدربيه من أوكرانيا، ويصرِّح علنًا بأنه لن يتورط في الحرب الروسية الأوكرانية إن وقعت، وأقصى ما سيفعله هو عقوبات اقتصادية قاسية ضد روسيا.
كما تطرق إلى التداعيات في حال نشبت حرب، مبينًا أن روسيا ليست الاتحاد السوفيتي السابق، فالصراع اليوم هو بين رأسماليين وإمبرياليين، ففوز روسيا في الحرب بغض النظر عن شكلها وأدواتها، لن تعني انتصارًا للفلسطينيين، موضحًا أن الولايات المتحدة وروسيا كلاهما حلفاء من الدرجة الأولى لدولة الاحتلال.
وأشار أبو عامر إلى أن نحو مليون ونصف المليون يهودي من أصول روسية سلافية جاءوا إلى بلادنا مع بدايات الاستعمار، لذلك فلسطين لن تربح أو تخسر من هذا الصراع، بل ربما خسارتنا أكبر في حال اجتاحت روسيا أوكرانيا، فذلك يعني هجرة يهودية أوكرانية واسعة تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأوضح، أن نتيجة الحرب في حال اندلعت، لن تؤثر على وضع القضية الفلسطينية بشكل مباشر، إلا إذا اتخذت إسرائيل مواقف معلنة ضد روسيا، ومارست دورًا تسليحيًا لأوكرانيا ضد روسيا، ومن ناحية أخرى ذكر أن الحكم في أوكرانيا هو حكم موالي لـ"إسرائيل" بل هناك العديد من المسؤولين الأوكرانيين مزدوجي الجنسية "أي لديهم جنسية إسرائيلية".
وبيَّن أبو عامر، أنه في حال أسقطت روسيا نظام الحكم القائم في أوكرانيا، سيكون ذلك خسارة لـ"إسرائيل"، إلا أنه لن يكون مكسبًا للفلسطينيين، فهذه الأحداث لن يكون لها مردود مباشر على القضية الفلسطينية إلا من باب تشكيل نظام عالمي جديد.
وأشار إلى أنه ما قبل أوكرانيا لن يكون كما بعدها، فذلك سيولد واقعًا دوليًا جديدًا سيظهر من خلال قوى دولية جديدة منافسة للولايات المتحدة، ومقررة في السياسة الدولية أبرزها روسيا والصين، وقد يكون اجتياح أوكرانيا سيناريو تمثيليا لاجتياح الصين لتايوان وضمها بشكل نهائي.