- قصف مدفعي يستهدف حي الصبرة جنوبي مدينة غزة
- الصحة العالمية: 50 هجوماً شنها الاحتلال على المستشفيات بغزة منذ أكتوبر 2024
يحتاج المرء إلى استدعاء أقصى طاقته العقلية كي يفهم حجم الشر الكامن في العقل الإسرائيلي والسلوك الذي يترجمه بهذه الوحشية في قطاع غزة، متخذاً من السابع من أكتوبر قبل الماضي ذريعة لتدمير الحياة في القطاع ليس حاضراً بل كي يضمن موتها مستقبلاً وللأبد، وكأنه يعيد تنفيذ جريمة ندم على عدم ارتكابها إبان النكبة عندما لم تصل دباباته للحدود المصرية طاردة كل السكان من القطاع.
مهما بلغت قدراتنا في تفسير الإسرائيلي يبدو أنه يسبقنا، ليس لعدم قدرتنا على التحليل بل لأن السيناريوهات التي يضعها تفوق التصور حد الخيال. فمن يتصور أنه بكل قذيفة يلقيها على قطاع غزة يعمل على تصحيره وإعدامه للأبد، أي ممارسة التطهير العرقي بوسائل ماكرة ونتائج لاحقة.
شخصياً لم أتصور هذا الفعل الأكثر إجراماً. كان الاعتقاد أن إسرائيل تمارس عملية انتقام لا أكثر لكن الأمر أبعد من ذلك بكثير. فحجم التدمير وما خلفته الحرب من حطام حتى الآن قد بلغ ستين مليون طن من الركام وهذا يحتاج إلى الإزالة قبل أي عملية إعمار، لكن لا يوجد مكان يتسع لهذا الركام في غزة المزدحمة فهو يحتاج إلى مساحة كبيرة لا تتوفر بها.
قد يقول غير العارفين إنه يمكن ردمها في البحر وبذلك يمكن توسيع مساحة قطاع غزة على نمط كثير من الدول وتلك تشكل فرصة، لكن الحقيقة أن الركام الناتج عن الكوارث الطبيعية مثل الزلزال يمكن استغلاله في البحر لكن الركام الذي خلفته إسرائيل محمل بالمواد المتفجرة السامة الذي لا يمكن إلقاؤه في البحر لأنه سيلوث المياه ويقضي على الثروة السمكية، وإسرائيل ستقف بقوة ضد ذلك لأنها تشترك ساحلياً مع غزة.
لكن الأخطر من ذلك هو أن إسرائيل قامت بتحويل كل قطاع غزة إلى حقل ألغام كبير بحيث يضمن استحالة إعماره، ففي كل الحروب، هناك نسبة ضئيلة من الصواريخ لا تنفجر وهي نسبة معروفة دولياً لكن في هذه الحرب رفعت إسرائيل النسبة كما يقول خبراء إلى 14% أي أربعة عشر صاروخاً لم تنفجر من كل مائة صاروخ، وتلك نسبة مهولة بعضها أو معظمها على مسافة أمتار تحت الأرض وتحت الركام ما يعني أن أي معدات لإزالة الركام مهددة بالانفجارات.
وهكذا سيبقى قطاع غزة مجرد أطلال يصبح العيش فيها حالة عبثية تمهيداً لهجرة طوعية كما قال إيتمار بن غفير وريث كهانا صاحب نظرية الترانسفير وطرد الفلسطينيين.
هذا أمر في غاية الخطورة. فقد بالغت إسرائيل في التدمير لتزيد من نسبة الركام لتحوله إلى عبء يصعب التصرف به. فالدمار الذي صنعته في مخيم جباليا وحده يطرح الكثير من علامات الاستفهام وهو المخيم الأكبر بين المخيمات الفلسطينية في الداخل والشتات ويحتوي على عشرات آلاف المباني التي كما قال جنود مشاركون في هدمه كأنه تعرض لزلزال بقوة مائة ريختر فلماذا ؟ . كل ذلك يعزز الفكرة، فكرة استحالة الإعمار.
المأساة أن إسرائيل دمرت بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا ورفح كلياً، وفي باقي المناطق لم تتواضع في مهمتها سواء خان يونس ومدينة غزة وضواحيها وفي كل المناطق التي اجتاحتها.
والحرب لم تنتهِ بعد ولا يعرف أحد كم من الملايين الجديدة ستضاف لحظة نهاية الحرب فقد تُركت إسرائيل تفعل ما تريد وأخرجت من الأدراج مشروعها القديم ما يضفي أجواء من التشاؤم حول مستقبل غزة في حال وقفت الحرب، والتي بات واضحاً أن حكومة إسرائيل مستمرة فيها وما يمنعها من عقد صفقة الرهائن هو عدم اشتراط وقفها الأمر الذي قبلته حركة حماس في سبيل إنجاح الصفقة ولو مؤقتاً على أمل أن يتحول هذا المؤقت إلى دائم، لكن إسرائيل لا تفكر كذلك.
التفكير في الأمر يدعو للعمل بكل الوسائل ومع العرب والمجتمع الدولي. فإسرائيل ترتكب أم الجرائم فهي تقتل بقعة جغرافية ليس فقط في الحرب بل هناك جريمة تترك آثارها على المستقبل ناهيك عن تسميم الأرض الصالحة للزراعة وإعدام السلة الغذائية لغزة في الشريط الشرقي للقطاع سواء بما تلقته من مواد سامة أو بالوجود العسكري المباشر بها، وقد يضاف لتلك الكوارث أخرى جديدة لن يتوقف العقل المحشو بالشر عن فعلها لضمان جعل من يتبقى من سكان قطاع غزة غير قادرين على الحياة فيها وأن تتحول إلى منطقة طاردة للسكان.
إسرائيل تبني مواقع عسكرية دائمة في غزة وتتحدث عن سيطرة أمنية وعسكرية مباشرة في القطاع، وتلك تضاف إلى سلسلة الكوارث التي ألحقتها بالقطاع والتي ينبغي التفكير بكيف يمكن محاسبة إسرائيل والحد من الكارثة ومحاكمة إسرائيل التي تقدم نموذجاً للتوحش والتطهير العرقي.