الكوفية:في ختام اجتماعها في منطقة الكيبيك الكندية 14 مارس 2025، أصدرت دول مجموعة السبعة بيانا، حمل مفاجأة سياسية يمكن وصفها بالكبرى، بعدما شطبت كل ما يشير إلى دولة فلسطينية، سواء باستخدام التعبير الأمريكي ما يعرف بـ "حل الدولتين"، والذي كان "مناورة سياسية" صنعها بوش الابن يونيو 2002، أو ما يستخدم في وثائق الشرعية الدولية، وبيانات الاتحاد الأوروبي منذ سنوات، تعبير الدولة الفلسطينية، مستبدلة ذاك وهذا بتعبير مستحدث جدا، أسموه "أفق سياسي للشعب الفلسطيني".
لا يحتاج المتابع جهدا "عقليا" لاكتشاف أن التغيير الجوهري أو الردة السياسية الكبرى، جاء تحت ضغط أمريكي كبير، لشطب كل ما يتعلق بدولة فلسطين، ليس تعبيرا أو لغة، بل هو موقف تبنته إدارة ترامب وفريقها التوراتي باعتبار أن "فلسطين التاريخية هي أرض يهودية من النهر إلى البحر"، وألمح له رئيسهم بأن "إسرائيل صغيرة جدا" تحتاج أن تتوسع.
مفارقة الردة السياسية الكبرى، تبدو كإجابة أمريكية ومعها دول السبعة على قرارات القمة الطارئة في القاهرة يوم 4 مارس 2025، والخطة العربية حول فلسطين وقطاع غزة، بأن الرؤية الأمريكية لم تسقط خيار "حل الدولتين" فقط، الذي كان جزءا من سياسة أمريكا الرسمية منذ 2002 وحتى يناير 2025، بل تتجه نحو تهويد فلسطين عبر التسمية التوراتية، استكمالا لما بدأه ترامب في ولايته الأولى عندما الغى قرار أمريكي حول القدس ليعترف بها عاصمة لدولة الكيان، ومعها اغلاق القنصلية في القدس المحتلة (الشرقية) لتكريس انها مدينة واحدة، والخدمات عبر الغربية.
بيان الردة السياسية الكبرى، مقدمة لحرب موسعة ضد دولة فلسطين، وبالتالي ضد المؤسسات الدولية التي تدعم ذلك الخيار، سواء الأمم المتحدة ومؤسساتها أو التكتلات العالمية، وبأن ذلك أصبح موقفا رسميا أمريكيا، بشطب دولة فلسطين من أي بيان تشارك بها الولايات المتحدة.
بيان الردة السياسية الكبرى، هو تعزيز واضح، بأن خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين لا تزال قاعدة انطلاق للمسار الأمريكي في المنطقة، ولم يتم ايقافها أو التراجع عنها، وما صدر من ترامب عنه حول لا طرد لأهل غزة بالقوة ليس سوى تعريف أن "التهجير بالتراضي"، وأن ذلك لن يقف عند حدود قطاع غزة، بل يشمل الضفة والقدس، بما يساعد خروج عشرات آلاف من أهل فلسطين كي يكون عملية الضم وبناء النظام التهويدي الموازي بلا عقبات كبرى.
بيان الردة السياسية الكبرى، يكشف أن أمريكا ستعمل بكل ما لها من أسلحة بشطب "المكسب الكياني التاريخي" للشعب الفلسطيني، نحو وجود "جزر سكانية" ضمن "إسرائيل الجديدة" بحقوق مدنية وبلا حقوق سياسية، عبر "نظرية ضم الأرض دون ضم السكان" لقطع الطريق على تغيير يهودية الدولة التي يجب أن تبقى "يهودية".
قبول دول السبعة الكبار الرضوخ السياسي في قضية "حل الدولتين"، والتي لم تكن منذ سنوات محل خلاف بينها، مؤشر أن المعركة الترامبية القادمة ستكون مباشرة مع كل الأطراف وتحت مسميات مختلفة، من أجل عملية الغاء كلي لأي مؤشرات تؤدي لوجود كياني فلسطيني مستقل، واستبداله بتعبير جديد أسموه "نحو أفق سياسي للشعب الفلسطيني".
ودون إضاعة وقت في جدل سياسي، او البحث عن نفق تبريري، وجب الرد بطلقات نار سياسية سريعة، وعبر المؤسسة الرسمية العربية، جامعة دول ورئاسة قمة وسداسي عربي، بأن الخيار الذي لا خيار غيره هو دولة فلسطين فوق أرض فلسطين وفقا لقرار الشرعية الدولية.
رد عربي موسع على موقف الردة السياسية الكبرى لمجموعة السبعة، لا يقف عند بيان رفض لبيان الردة السياسية الكبرى والنظرية الترامبية بشطب الكيانية الفلسطينية، بات من الضرورة، بل وجب أن تذهب الدول العربية لتنفيذ مبدأ "المصالح والعقاب".
للمؤسسة الرسمية الفلسطينية ان تنتفض من سبات طال زمنه، ولتدرك أن "السهو السياسي" عما هو ضرورة سياسية اصلاحا جذريا لن ينقذها من "مصير بورقيبي"، كي لا نقول يوما ليت ما كان ما كان.