لكي نفهم لماذا كان هجوم الرئيس الأمريكي جو بايدن وأركان إدارته على الحراك الطلابي المؤيد لغزة في الجامعات الأمريكية أكثر حدة من هجوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واعضاء حكومته، فإنه بجب علينا ان نعرف طبيعة العلاقة التي تربط امريكا بإسرائيل. فالعلاقة التي تربط الطرفين لا يمكن فهمها كما نفهم طبيعة العلاقة التي تربط الولايات المتحدة الامريكية ببلدان النظام الرسمي العربي، أي كعلاقة بين تابع ومتبوع، بل هي أعمق من ذلك بكثير.
ولكي نوضح اكثر فإنه ليس صحيحاً القول بأن النظام السياسي الإسرائيلي هو نظام وظيفي، يقاد من قبل ذلك الجالس في البيت الابيض، وبالتالي فإن واشنطن هي التي تقود تل ابيب وتوجه سياسة حكامها، كما أنه ليس صحيحا بأن حكام إسرائيل هم الذين يقودون الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وآخرها إدارة بايدن، بسبب سيطرة لوبي صهيوني قوي مؤيد لإسرائيل على مفاصل الحياة الأمريكية.
في اعتقادي أن كلا التحليلين رغم وجود شذرات من الحقيقة فيهما، إلا أنهما لا يعكسان الحقيقة كما هي على ارض الواقع.
فالحقيقة والواقع أن الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية تداران من قبل مركز قيادي واحد، هو الصهيونية العالمية، التي تسيطر بدورها ومنذ عقود طويلة على النخب السياسية في بلدان الغرب الإمبريالي، وتهيمن على القرار السياسي لحكامها الدمى.
ولذلك فإن حكام أمريكا والغرب يرون في الحراك الطلابي المتنامي وواسع النطاق المؤيد للشعب الفلسطيني والمعارض للإبادة الجماعية في غزة، خطراً حقيقياً ليس على مصالح إسرائيل فحسب بل على مصالحهم ايضاً. وسبب ذلك أن التحول الجاري في الحالة الشعبية في بلدانهم سينسف لا محالة صورة إسرائيل الضحية، التي إستندوا إليها لتبرير دعمهم المطلق للسياسات الإسرائيلية في الوجدان الشعبي الأمريكي والغربي، وسيظرهم على حقيقتهم كنخب تضع الولاء لإسرائيل فوق الولاء لبلدانهم.
بمعنى آخر فإنهم يخشون بأن يؤدي انكشاف الحقيقة للرأي العام الامريكي والغربي إلى تقويض أسس سيطرتهم على وعي الناس، مما سيؤدي مع الزمن لإستبدالهم بنخب سياسية حاكمة مخلصة للمصالح الوطنية لشعوبهم.
ولذلك فإنهم يضعون كل ثقلهم وإمكانتهم لكي تنتصر إسرائيل في هذه الحرب.