خاص: اغتيال مدير البرنامج النووي الإيراني محسن زاده في طهران، شكل ضربة قوية للنظام الإيراني، الذي لم يكد يفيق من عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق مطلع العام الجاري، حتى فقد أحد أهم رجالاته المعنيين بالملف النووي الإيراني.
اغتيال في قلب طهران
بعد تخطيط طويل، وبلا أي تسرع، نجحت مجموعة من الأشخاص في الوصول الى أحد أبرز "عقول" إيران النووية وتصفيته، وهو ما ألقى بالاتهامات على إسرائيل، حيث سبق أن صرح علانية بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال عام 2018، في مؤتمر صحفي قائلا، تذكروا اسم "محسن زادة"، مرفقا بصورة كبيرة له على شاشة جانبية.
محسن زاده.. هدف إسرائيلي
يعتبر محسن فخري زاده، البالغ من العمر 59 عامًا، القوة الدافعة وراء برنامج الأسلحة النووية الإيراني لمدة عقدين، وهو قيادي في الحرس الثوري الإيراني، ورئيس "منظمة أبحاث الدفاع الجديدة"، وشخصية رئيسية في العمل الإيراني لتطوير التكنولوجيا والمهارات اللازمة لصنع القنابل الذرية.
ووصفه مركز أبحاث أولبرايت بأنه مهندس نووي أشرف على عدد من المشاريع المتعلقة بأبحاث التسليح والتطوير، حيث كان هدفاً للموساد الإسرائيلي منذ فترة طويلة.
وفي عام 2008، أُضيف اسمه إلى قائمة المسؤولين الإيرانيين الذين أمرت الولايات المتحدة بتجميد أصولهم.
إيران تتهم إسرائيل بشكل علني باغتيال زاده
لم تمر ساعات على واقعة الاغتيال، حتى أدانت إيران إسرائيل رسمياً، في حادثة اغتيال محسن زاده.
واتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني، إسرائيل باغتيال العالم النووي زاده، الذي يشتبه الغرب منذ فترة بأنه العقل المدبر لبرنامج سري لإنتاج قنبلة نووية، مؤكدا أن إيران ستثأر لمقتل عالمها النووي في الوقت المناسب.
وحذرت إيران في رسالتها من أي إجراءات متهورة من قبل أمريكا وإسرائيل، خاصة خلال الفترة المتبقية في رئاسة ترامب.
نتنياهو يرفض التعليق ويرفع حالة التأهب بالسفارات
الحكومة الإسرائيلية قررت رفع مستوى التأهب في سفاراتها حول العالم، واتخذت الجاليات اليهودية في العالم احتياطات مماثلة، في مواجهة اتهامها باغتيال رئيس البرنامج النووي الإيراني، محسن فخري زادة، واحتمال الرد.
ورفض مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، التعليق على عملية الاغتيال، حيث سبق أن أعلن نتنياهو قبل عامين أن العالم الذي اغتيل اليوم يقود المساعي الإيرانية الرامية إلى تطوير ترسانة نووية.
وإلى الآن لم يصدر أي تعليق عن الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع "البنتاجون" عن واقعة الاغتيال.
لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعاد عبر حسابه بموقع تويتر نشر أخبار اغتيال محسن زاده، من دون التعليق على تلك الأخبار.
تداعيات الاغتيال
مقتل زاده يمكن أن يكون له تداعيات واسعة على إدارة بايدن القادمة، ومن المؤكد أن يؤدي ذلك إلى رد فعل حاد في إيران، كما فعل الهجوم الأمريكي في 3 يناير/كانون الثاني الماضي بعد اغتيال قسم سليماني.
وقد يؤدي مقتل فخري زاده إلى تعقيد جهود الرئيس الديموقراطي المنتخب جو بايدن، لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، كما تعهد بذلك إذا وافق الإيرانيون على العودة إلى الحدود المفصلة في الاتفاق.
هل تقع إيران في فخ الرد
مسألة انزلاق إيران في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية، أمر يستبعده المحللون السياسيون، الذين أكدوا أن إيران لن يكون لها ردة فعل تجاه اغتيال زاده، مشيراً إلى أن اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، التي لم تشهد أي ردة فعل تجاه واشنطن سوى إطلاق بعض الصواريخ في المنطقة الخضراء بالعراق.
وتنتظر طهران إدارة الرئيس المنتخب بايدن، وانتهاء ولاية ترامب، لأنهم يعولون كثيراً على بايدن الذي أكد سابقاً إلى إعادة الاتفاق النووي مع إيران قائلاً "القيادة الإيرانية لن تعطي ترامب السلاح الذي يفتك به إيران".
وبينما يتوقع البعض الآخر أن تتخلى طهران عن برنامجها السلمي وتنجر للرد العسكري، يستبعد خبراء آخرون ذلك قائلين إن "الحوادث السابقة تؤكد أن إيران لن تتسرع وستترقب الإدارة الأمريكية الجديدة مع احتفاظها بحق الرد".
تعقيد جهود بايدن
ويتوقع محللون أن يؤدي مقتل فخري زادة إلى تعقيد جهود الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، الرامية لإحياء الاتفاق النووي مع طهران بعدما ألغاه ترامب.
ويتخوف بعضهم من أن يؤدي مقتل العالم الإيراني إلى تصعيد التوتر في المنطقة ما قد يخلق ذريعة لإدارة ترامب لشن ضربات على المنشآت الإيرانية قبل أن يغادر البيت الأبيض.
استخبارات إيرانية هشة
وتعتبر عمليات اغتيال قيادات إيرانية متكررة بشكل كبير، حيث إن ما حدث يؤكد هشاشة النظام الاستخباراتي الإيراني، واختراق الأجهزة الأمنية والسيادية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، بفعل انخراطها بقوة في أدوار عسكرية وأمنية في دول أخرى بالمنطقة، وهو ما ترك فراغاً أمنياً.
وكانت أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، أن عناصر إرهابية اغتالت محسن زاده يوم الجمعة، حيث لم تنجح محاولات إنقاذه وفارق الحياة.
ضربة معنوية للنظام الإيراني
تناولت الصحف العبرية تداعيات اغتيال العالم الإيراني زاده، حيث ذكرت صحيفة هآرتس، أن "اغتيال زاده يعتبر ضربة معنوية ونفسية، وحتى مهنية، بالنسبة للنظام في إيران، وهذه ضربة للزعيم الأعلى علي خامنئي"، وأضافت، " يمكن إيجاد بديل لفخري زادة لا يقل عنه تأهيلا، مشيرة إلى أن لإيران الآن معرفة كافية تمكنها من إنتاج سلاح نووي إذا أرادت ذلك.
وأكد مقال بعنوان، "إسرائيل والمعضلة الإيرانية"، أن، "أهمية زاده في قمة جهاز الأمن الإيراني معروفة لكل جهاز استخبارات غربي يعنى بالموضوع النووي، منذ سنوات طويلة وهو يوجد على بؤرة الاستهداف بما في ذلك إسرائيل".
أما صحيفة يديعوت، فذكرت "سيبذل الرئيس الأسد جهدا لمنع رد إيراني ضد إسرائيل من حدود سوريا، فمنذ سنتين وهو يبث للإيرانيين أن نظامه يستصعب امتصاص ثمن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية على أرضه، ولما كان يسود في لبنان ميزان رعب بين إسرائيل وحزب الله سيكون معقولا الافتراض بأن الرد الإيراني على تصفية محسن فخري زاده، رئيس البرنامج النووي العسكري الإيراني، سيكون في الخارج".
وتأتي عملية الاغتيال قبل أسابيع من مغادرة الرئيس الأمريكي منصبه بعد خسارته الانتخابات الرئاسية الأمريكية أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن، والذي كان قد اتخذ نهجاً مخالفاً لنهج سلفه باراك أوباما في التعامل مع إيران، حيث انسحب من الاتفاق النووي الإيراني أثناء فترة حكمه، وقام باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في العراق، وفرض عقوبات مشددة على النظام الإيراني، وكان آخرها قبل أيام معدودة.