تملك الولايات المتحدة أضخم اقتصاد في العالم، يعتمد نظام اقتصاد السوق، المبني على الاستثمار الحر والمنافسة التجارية، ويتمتع بقوة فلاحية هي الاولى على المستوى العالمي، من حيث إنتاجها أو صادراتها، كما يحظى بأهم الإنتاجات الصناعية على المستوى العالمي. ويعود نجاح الصناعة الأمريكية إلى قدرتها على التجديد وصدارتها التكنولوجية وتنوع المنتجات ووجود اليد العاملة المؤهلة، فهي تعد في المرتبة الثامنة عالميا لمؤشر التنمية البشرية،
ومستوى دخل المواطن الأمريكي من أعلى مستويات الدخل في العالم. كما تعتبر أمريكا أكثر الدول تصديراً واستيراداً ومع هذا تبقى ديونها التجارية أعلى الديون على المستوى العالمي.
لم يكن أقوى اقتصاديات العالم بمنأى، عن أثار الانتخابات الامريكية، وتداعياتها داخليا، وعلى صعيد دول العالم الخارجي، التي ارتبطت بقنوات متعددة بالاقتصاد الامريكي، الذي يعتبر من أكثر اقتصاديات العالم تطورًا وإنتاجية؛ فلا يوجد نظير له في مجال إنتاج السلع وتوفير الخدمات، الا ان الادارات الامريكية المتعاقبة تضطر باستمرار إلى الاعتماد في تمويل اقتصادها على العجز في موازنتها العامة، وفي ميزانها التجاري، وغالبا ما تلجأ الى اصدار تريليونات من الدولارات المدعومة بقوة ونفوذ الحكومة الفيدرالية، دون ان يقابلها إنتاج سلعي أو خدمي.
رفض الرئيس الامريكي الحالي دونالد ترامب، نتيجة الانتخابات الرئاسية، التي أفرزت فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن، أدي الى مخاوف كبيرة، ليس في اوساط السياسيين فقط، بل ايضا اوساط الاقتصاديين والمستثمرين، فسرعان ما تأثرت الاسواق بهذه الارتدادات، في مشهد ضبابي، وحالة من عدم اليقين، وتوقعات وسيناريوهات مختلفة ، فالمجتمع الأميركي يبدو منقسماً على نفسه انقساماً حادّاً في أمور كثيرة، وسياسات التنمر التي يمارسها ترامب تنذر بان الدولار رمز قوة الاقتصاد الأميركي وصخرته، سيكون عرضة للاهتزاز وفقدان الثقة، والتراجع كعملة احتياطي موثوقة، خاصة اذا ما اخذنا بالاعتبار القلق الكبير والمتنامي، من دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود عميق. بحسب التوقعات التي تشير الى ان معدل النمو للعام الجاري 2020 سيكون سالب 4% تقريباً، وإذا بدأت الدولارات التي أصدرت (6 تريليونات حتى الآن، واثنان على الطريق)، في التفاعل كأموال فائضة لا يقابلها طلب فعّال، فمن المحتمل أن يدخل الاقتصاد الأميركي في حالة تضخم، من دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة فرص العمل. وإن حصل هذا، فسوف يدخل الاقتصاد الأميركي في دورة "الكساد التضخمي"، وسيجر العالم معه إلى نفس الطريق, هذه المخاوف كانت حاضرة لدى روسيا والصين، فاتجهت الى شراء الذهب، خاصة وأن المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد أثارت بعض المخاوف في الأسواق، وجعلت المستثمرين في حالة من عدم اليقين، مما دفعهم إلى البحث عن ملاذات آمنة، وقد أدى ذلك إلى زيادة الطلب على الذهب وبالتالي ارتفاع سعره، وسط غموض يكتنف مستقبل الدولار ، والتراجع كعملة احتياطي موثوقة، ناهيك عن الحرب التكنولوجية التي تشنها الولايات المتحدة على شركات هواوي، وتيك توك، و"وي تشات we chat" الصينية، وسنرى هذه الحرب تمتد إلى شركة علي بابا للتجارة الإلكترونية والفضاء، والنانو تكنولوجي، وغيرها من التكنولوجيات الصينية رفيعة المستوى، هذه المخاوف دفعت العديد من المضاربين والمستثمرين، للبحث عن ملاذات أمنة، فزاد طلبهم على العملات الرقمية المشفرة، حيث تقدر قيمة السوق الرقمية، حاليا بأكثر من 410 مليار دولار، تسيطر عملة "البيتكوين" على 63.8% من قيمة السوق، وهذا دفع عملة البيتكوين الأشهر للقفز الى سعر قياسي هو الاعلى منذ عام 2017, حيث تجاوز سعر عملة البتكوين قيمة 16 الف مستفيدة من ارتباك أسواق المال جراء غموض نتيجة الانتخابات الأمريكية.
من جهة اخرى اهتمامات المستثمرين بإحراز تقدم بشأن لقاح لكوفيد-19 تطوره شركة فايزر الأمريكية، في ظل موجة ثانية شديدة تجتاح اوروبا، وامريكا، حيث امرت نيويورك بإغلاق الحانات والمطاعم، يثير مخاوف وتوقعات بتراجع النمو في العام القادم، وهذا ما دفع المستثمرين للأحجام عن تنفيذ صفقات كبرى حاليا، اما على صعيد البنوك المركزية و الدول التي تحتفظ بأرصدة بالعملة الأميركية، ستتجه لبناء مراكزها المالية بعيداً عن الدولار، وبحثاً عن بدائل تحفظ القيمة، وتكون أكثر أمنا، اما المواطن العادي في الدول، والذي تعود على الاكتناز بعملة الدولار، فاقد ثقته، بالمؤسسات المالية، والاسواق المالية، وبالعملات المشفرة، والمحافظ والوسائط الالكترونية، ربما لن يختلف مصيره عن مصير شركة فوجي فيلم، عندما ظهرت الكاميرات الرقمية.
فالدولار الأمريكي لن يبقى متسيد عرش العملات العالمية، والعالم ينقسم بين قطبين اقتصاديين، أحدهما في نيويورك، والثاني في بكين.