كشفت جائحة فيروس كورونا المستجد عن عيوب سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاقتصادية بسرعة وبلا رحمة، الأمر الذي وضع الرئيس التركي في مواجهة أكبر تهديد منذ توليه السلطة قبل 18 عاما.
ويأمل البعض أن يحقق الوباء ما فشل فيه مستشارو أردوغان، وإقناعه بإنهاء قبضته الاستبدادية على السياسات المالية، بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وقالت الصحيفة إن وباء كورونا فاقم معدلات البطالة ورفع معدلات التضخم المرتفعة بالفعل ووحد المعارضة وأثار مخاوف بشأن استثمارات أردوغان الضخمة في مشاريع البنية التحتية التي حذر محللون من أنها باهظة الثمن ولا يمكن تحملها.
وصف مدير صندوق مارشال الألماني أوزجور أنلوهيسارسيكلي، التحديات الاقتصادية بإنها أكبر أزمة يديرها أردوغان في تاريخه السياسي، وقال إنه "يدرك أن هناك ثمنًا للانكماش الاقتصادي".
وترى الصحيفة الأمريكية، إن ما يواجهه أردوغان مثيل لما سيواجهه كلا من فلادمير بوتين رئيس روسيا، وبولسونارو الرئيس البرازيلي، بعد أن جعلوا أنفسهم تجسيدًا للدولة.
تُعد السياحة الدعامة الرئيسية للاقتصاد التركي، ومع انهيارها ونقص السيولة، واستبعاد لجوء أردوغان إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، فلديه أصدقاء قليلون ربما يلجأ إليهم.
ترصد "نيويورك تايمز" ما اعتبرتهم دلالات على الضغوط الاقتصادية في تركيا؛ حيث أنفق البنك المركزي ٢٠ مليار دولار من احتياطيه منذ تفشي الوباء، وتراجع الليرة مقابل الدولار.
فرض أردوغان إغلاقًا جزئيًا لمواجهة الوباء، وأصر على بقاء عجلة الإنتاج حتى ينقذ الاقتصاد نفسه، واستمرت المصانع الكبرى في العمل وكذا مشاريع أردوغان التي روج لها بنفسه في مناسبات عدة.
وفقًا لاستطلاعات الرأي فإن نهجه نال رضا كبيرا بين الأتراك، لكنه لم يسلم من الاتهامات بأنه أعطى أولوية للاقتصاد على حياة السكان.
ويقول منتقدوه إن نتائج سياسته، أدت إلى تفشي الوباء بين الطبقة العاملة وجعلتهم أكثر عرضة للخطر.
يسيطر أردوغان على وسائل الإعلام التي تروج إلى تراجع وتباطؤ انتشار الوباء، على الرغم من التوقعات التي تشير إلى أن الأعداد في ارتفاع مستمر.
ويستخدم الرئيس التركي نبرة الطمأنينة في خطاباته الخاصة بالوباء، يروج أن إجراءاته كانت فعالة للحد من انتشار كورونا، لكن منتقديه، بينهم قادة بعض أكبر النقابات العمالية، كانت لديهم رسائل مختلفة.
وقال أردوغان، في خطاب متلفز: "لقد وصلنا إلى نقطة تحول مهمة، وحققت تركيا أهدافها الرئيسية للحد من انتشار المرض، ومنع حدوث كسر في الإنتاج والحفاظ على النظام العام".
فيما قال أوزجور كارابولوت، رئيس النقابة التقدمية لعمال البناء، لنيويورك تايمز، "طالبت نقابتنا بإغلاق مواقع البناء ووضع العمال في إجازة مدفوعة الأجر منذ اليوم الأول من تفشي المرض، من أجل إنقاذ حياتهم".
وأضاف أن نظام أردوغان رفض السماح بتوقف عجلات الاقتصاد وأجبر العمال على الاستمرار في عملهم بمواقع لا تطبق قواعد التباعد الاجتماعي.
ودحض كارابولوت تصريحات المسؤولين قائلا: "تقول الحكومة لوسائل الإعلام أن الحياة تعود ببطء إلى طبيعتها، ولكننا نرى العكس في أماكن عملنا، ونبلغ عن انتشار لكورونا بين العمال".
ونشر اتحاد النقابات التقدمية، تقريرًا الأسبوع الماضي، كشف عن أن أعضائه أكثر عرضة ٣ مرات للإصابة بكورونا عن عامة السكان.
وكان رئيس أحد مشاريع التطوير البحرية في إسطنبول توفي إثر إصابته بالوباء الشهر الماضي، وظهرت ٤ إصابات في نفس الموقع.
وانتقد كارابولوت، استراتيجية أردوغان في التعامل مع الوباء، مؤكدًا أنهم إن طبقوا الإغلاق في ٣ أبريل الماضي كما طالبوا ربما قلت عدد الإصابات بين العمال.
ويرى أن المشكلة لا تقتصر على مواقع البناء، لكنها طالت مصانع النسيج وموانئ بناء السفن، التي تشهد ارتفاع الإصابات بين العمال.
وقالت نيويورك تايمز، إن العمال الذين حصلوا على أجازات وفقًا لإجراءات الإغلاق لهم مصدر قلق مختلف، فبعد ٥ أسابيع من الإغلاق لم يجدوا مصدرًا للدخل، وازدادت مخاوفهم من تداعيات الأزمة.
ويرى هؤلاء أن الحزم الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومة لا تلبي مطالبهم، وبعضهم غير مشمول بتلك القرارات.
وتقول فاتوس مالكة صالون تجميل، إنها لا تستطيع البقاء على قيد الحياة مع استمرار تلك القيود التي ربما تمتد لشهرين أو ٣ أشهر.
وتضيف فاتوس وهي أم تعول ابنتها الوحيدة، إن نفقاتها تتراكم مع استمرارها لدفع إيجار المحل ورواتب العاملين به ورسوم مدرسة ابنتها والضرائب فضلاً عن إيجار شقتها، التي رفض مالكها أي تخفيض للإيجار