قد يكون الثلاثون من نيسان العام 2020 علامة تاريخية في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبداية جديدة غير مسبوقة لإحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين للعدالة الدولية، ففي هذا التاريخ صدر القرار الشجاع والمسؤول من قبل المدعية العامة للحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا بتأكيد اختصاص المحكمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد أن نظرت بعناية في كافة الملاحظات المرفوعة للمحكمة بهذا الصدد والتي شككت في أهلية المحكمة باختصاصاتها على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة وقطاع غزة.
وللتأكيد على تاريخية هذا القرار، لا بد من العودة للوراء قليلاً فقد كانت السيدة بنسودا قد أشارت أواخر العام الماضي إلى أنّ إجراء تدقيق تمهيدي إلزامي قد مهد لفتح تحقيق ينظر بالمسائل القانونية للمحكمة في وضع فلسطين، وذلك رداً على إعلان دولة الاحتلال والادعاء بأن المحكمة لا تملك الولاية القانونية لأن فلسطين لا يمكن اعتبارها دولة لعدم سيطرتها الفعلية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين أكدت فلسطين كونها دولة باعتبار العدد الكبير من الدول التي تعترف بها في الجمعية العامة والمؤسسات الدولية.
وللخروج من هذا السجال دعت المحكمة من خلال دائرتها التمهيدية لـ7 دول و36 منظمة وخبيراً لتقديم ملاحظاتهم بهذا الشأن، وبالفعل تقدمت هذه الجهات بملاحظاتها للمحكمة والدول السبع هي: استراليا والنمسا والبرازيل وتشيكيا وألمانيا والمجر وأوغندا، وكلها دول تساند دولة الاحتلال في المحافل الدولية وبعض قادتها يقيم علاقة صداقة قوية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ويستنتج من القرار الأخير الذي اتخذته بنسودا أنّ ملاحظات هذه الدول وبعد التدقيق بها لم تقنع المحكمة لذلك جاء القرار مغايراً لملاحظات هذه الدول وتوجهاتها، ما يوجب معه تأكيد البعد الشجاع والتاريخي الذي اتخذته بنسودا حول اختصاص المحكمة على أراضي دولة فلسطين في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة.
إن هذا القرار في تقديرنا يتجاوز في أهميته وتاريخيته ما يتعلق بإحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة الدولية رغم أهميته التي لا شك فيها، ذلك أنّ من شأن هذا القرار أن يوقف محاولات دولة الاحتلال ومنظومة الدول الصديقة لها وعلى رأسها الولايات المتحدة التشكيك بمدى اعتبار فلسطين لها مكانتها السياسية باعتبارها دولة، رغم خضوع أراضيها وشعبها للاحتلال.
ولم يعد هناك في هذه الحال أي مجال للنقاش حول هذه المسألة بعد حسمها من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فإن كافة المنظمات الدولة ستتعامل مع فلسطين كدولة تحت الاحتلال بالانسجام مع قرار المحكمة.
لذلك كان من الطبيعي أن تواصل قيادات دولة الاحتلال هجومها على المحكمة وعلى بنسودا، بالزعم من أن سياستها معادية لإسرائيل وأنها تتجاهل ما يسمى كبار خبراء القانون الدولي وذلك «باختراع» مسمى دولة فلسطين حسب تعليق الوزير الإسرائيلي يوفال شتاينتس على القرار الأخير للمحكمة زاعماً أنه يشكل خضوعا لتأثير حركة المقاطعة الدولية.
إنّ هذا القرار، يعيد للمحكمة ثقة الشعوب المقهورة بها ويشجعها على اللجوء لها رغم تأثير وضغوط القوى المعادية للسلام والعدالة الدولية والقانون الدولي، وستكون جماهير وشعوب العالم في حالة انتظار لترجمة هذا القرار لإحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة وبحيث لا يعود أي مجرم حرب بمنأى عن محاكمته مهما كانت القوة الظالمة الداعمة من خلفه وتبقيه خارج قفص الاتهام، كما أنّ هذا القرار سيدفع بالعديد من مجرمي الحرب للتردد قبل مواصلة جرائمهم بحق أفراد أو جماعات أو شعوب لمجرد أنها تدافع عن حقوقها كما هي حال الشعب الفلسطيني.