في خطوة هي الأولى، التي تعلن حركة حماس عنها، اعتقال مجموعة شبابية بتهمة "نشاط تطبيعي" مع الإسرائيلي.
أشارت حماس في بيان لداخليتها الى اعتقال حقوقي، "أنه بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن النيابة العسكرية؛ أوقف جهاز الأمن الداخلي صباح يوم الخميس، رامي أمان، والمشتركين معه في إقامة نشاط تطبيعي مع الاحتلال الإسرائيلي عبر الإنترنت"، و"إنه تمت إحالة أمان والمشتركين معه للتحقيق، وسيتم اتخاذ المقتضى القانوني بحقهم".
وبعد مضي دقائق لا أكثر، سارع ناطق من حماس بإصدار بيان يعلن الانتصار على "شبكة" ووقف أفرادها كونهم يهدون "الوحدة الوطنية والمجتمعية"، وبلا سابق انذار سارعت عدة مكونات في قطاع غزة (عدا حركة فتح "مركزية وتيار" وحزب الشعب وبعض قوى) لتعلن ترحيبها وتأييدها لتلك الخطوة، وكأن حماس تقر انها أقدمت على "فعل غير أخلاقي" تبحث جدارا لستر عورتها عبر فصائل لم تدقق فيما أقدمت عليه أجهزة أمن بذلك الاعتقال.
بداية، يجب التأكيد، أن الاعتقال بذاته هو عمل غير قانوني، كونه لم يستند الى النظام الأساسي الذي تعتمد اليه حكومة حماس ونوابها في التشريعي لتبرير سيطرتهم باسم الانتخابات والأغلبية، فأي اعتقال لقضية يجب ان يستند الى قانون معلوم لكل مواطن فلسطيني، وليس الى "قانون غاب" يصنعه الحاكم، أي حاكم.
التهمة بذاتها، لا تعريف لها ولا تدقيق في كيفية تناولها لا مكانا ولا موقفا، خاصة في الواقع الفلسطيني، ولا يوجد في برنامج "حماس" الحكومي تعريفا لمقولة "التطبيع"، فلا يمكن القول أن الاتصال بالإسرائيليين بشكل مطلق هو "جريمة"، دون تحديد الاتصال والمتصل بهم، خاصة ومنهم يؤيد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته ضمن حدود عام 1967 حسب قرار الأمم المتحدة، وهو هدف حماس السياسي الراهن، الى جانب منهم رافض للصهيونية كفكر وممارسة.
المفارقة الخطيرة، أن الاعتقال يتم وأخطر عملية تطبيع تقودها حماس عبر دولة قطر مع إسرائيل، دون أن معلومات للشعب الفلسطيني عنها، حيث تتم نقل الأموال من خلال القناة الأمنية الإسرائيلية (جيش وأجهزة)، عملية تتم بسرية كاملة ما يضع عليها كل علامات الاستفهام، عمل يستحق المساءلة وكشف كل ما يتعلق بتلك العملية السرية، الهدف والثمن والوسيلة، بتهمة أكثر من التطبيع.
"التطبيع" في فلسطين لا تعريف سياسي وقانوني له، بل لا توافق وطني عليه، ولذا لا يوجد نص قانوني يمكن ان يتم الاستناد عليه لاعتقال أي فلسطيني بتلك التهمة، مع وجود عمليات "تنسيق" متعددة جدا، بعضها لا يتم الكشف عنها في قطاع غزة، ومنها ارسال حركة حماس لعدد من الأطباء الى إسرائيل للتدريب، دون موافقة السلطة الرسمية والتنسيق معها أو عبرها، بل تمت بين حماس والأمن الإسرائيلي سريا، وبعيدا عن أي تبرير فهي شكل من اشكال "التطبيع".
حماس ومن سارع بالتهليل لاعتقال شاب حقوقي، كان يوما سببا في كشف أحد جرائم أمنها ضد شاب فلسطيني فقد بصره داخل أحد سجونها، وضعت تعريفا قانونيا جديدا قاعدته "الرغبة الانتقامية" وليس المسألة الوطنية، وقد يبدو من سخرية القدر أن تسارع حماس باعتقال شباب بتهمة تريدها ستارا، وتطلق سراح كل من كان سببا في اغتيال 25 مواطنا ومواطنة في حريق النصيرات. مجرمين أطلق سراحهم للتغطية على جريمة لا يجب ان تمر، كما كل جريمة بلا حق.
وقبل النسيان، أيهما أكثر خطرا، قناة تفتح أبوابها للناطق باسم جيش الاحتلال ليقول ما يريد رواية تبرر قتل الفلسطيني واغتصاب أرضه واحتلالها، وتراها حماس قناة صديقة ودولتها تستحق الشكر ليل نهار أم الشاب أمان.
على ضوء ما سبق ومنذ تلك العملية الكبيرة "هل يمكن أن نجد من يقول هناك "تطبيع مقاوم ثوري" وآخر "تطبيع انهزامي استسلامي".
للعلم، في مصر التي لها علاقات رسمية مع الكيان، أوسع حركة شعبية ضد التطبيع، لم تستند الى أي اعتقال، بل الى وعي ورؤية وحضور غير انتهازي لتبرير الباطل السياسي باسم الحق السياسي.
الجريمة ليس فيما فعل أمان، ولو كان أخطأ فحسابه بطريقة أخرى، لكن استبدال القانون والنظام بالرغبة الفصائلية تلك هي الجريمة التي تفتح الباب لقانون غاب جديد.
ملاحظة: حركة التسارع نحو ترتيبات صفقة بين حماس وإسرائيل حول أسرى، كأنها ترتيب جديد لدعم استمرار نتنياهو مقابل "مال قطري" جديد بمباركة ترامب لدعم "حليفه الخاص"...الوطنية مش شعار!
تنويه خاص: حسنا تم إطلاق سراح الكاتب عبد الله أبو شرخ...لكن الشكل والأسلوب يؤكد ان هناك تشريع لاستبدال القانون بـ "الرغبة الفصائلية" وفقا لمنطق حماس!