كتب: علي أبو عرمانة – عهد أبو خوصة: لا يترك حاكم تركيا، رجب طيب أردوغان، حدثا يمس فلسطين إلا صرح بالعداء لإسرائيل، وكذلك يكثر الإسرائيليون من مهاجمته، في محاولة من الطرفين لإيصال رسالة للجميع بأن عداءً محتدما يزداد كل يوم بين أنقرة وتل أبيب، لكن الأرقام والسجلات الرسمية تظهر حقيقة مغايرة لتلك التي أرادا تصديرها للرأي العام، إذ توكد أن التعاون العسكري والتجاري بين البلدين في ازدهار مستمر.
تناقضات أردوغانية وصلت حد النفاق، فالرجل لا يكف عن اللعب على مشاعر المسلمين حول العالم من خلال المتاجرة بالقضية الفلسطينية، كما أن تصريحاته المعادية لإسرائيل ليست سوى وسيلة لكسب شعبية زائفة بين الأتراك والعرب، وجميعها تندرج ضمن خطة أردوغان الكبرى، بالتمدد والتوسع في المنطقة العربية تحت إطار ما يعرف بـ"الشرق الأوسط الجديد".
وأكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الفرات السورية، الدكتور خيام الزعبي، في تصريحات خاصة لـ"الكوفية"، أن "تركيا أول دولة إسلامية اعترفت بالكيان الصهيوني كوطن قومي لليهود على حساب الفلسطينيين في 1949، ومع بداية 1950، كان اعتراف الحكومة التركية قانونيًا بقيام إسرائيل، واليوم يواصل نظامها بزعامة أردوغان اللعب على مشاعر الشعوب من خلال أقوال باتت مكشوفة للرأي العام، حيث لا يترك مناسبة إلا ويتاجر بالقضية الفلسطينية بالكلمات الرنانة خاصة التي تعلقت بمحاولات كسب الأصوات في الانتخابات".
وأضاف الزعبي، أن "العلاقات التركية الإسرائيلية بقيت متينة منذ بدايتها، ولم تتوتر ولو ظاهرياً حين انتقد أردوغان سلوك إسرائيل خلال الحرب على غزة عام 2009 بهدف كسب شعبية بين الجماهير التركية والعربية والإسلامية دون المساس بالتحالف القوي مع الكيان الصهيوني، بشكل يؤكد أن التوتر بين البلدين لا يتعدى مجرد الدعاية للنظام التركي الذي يتاجر في القضية الفلسطينية".
مشروع الشرق الأوسط
إبان صعود نجم حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، عام 2002، انغمست تركيا في القضايا والمشكلات والأزمات العربية، كمدخل رئيسي لتحقيق مكتسبات إقليمية ودولية، وتوافقت رغبتها مع التمهيد الأمريكي لما يعرف بمشروع "الشرق الأوسط الكبير"عقب تولي جورج بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة، الذي هيأ الأجواء المناسبة لإعادة تصميم ورسم حدود المنطقة وأركانها الرئيسيين.
وفي هذا الصدد، يقول نجم الدين أربكان، أستاذ أردوغان قبل انفصاله عنه، إن "حزب الحرية والعدالة كان من طلابي، وتربى على يدي على مدار 30 سنة، قبل الانتخابات كان يردد أردوغان نحن طلاب الأستاذ أربكان، وأنهم يريدون تعييني رئيسا للبلاد، وبعد وصولهم إلى الحكم بدلوا قميصهم على الفور".
وأضاف أربكان، خلال مؤتمر عقده في مركز أبحاث الاقتصاد والاجتماع عام 2007، أن "أردوغان توجه إلى أمريكا والتقى بالرئيس جورج بوش، وفي هذه الزيارة تسلم منصب رئيس مشروع الشرق الأوسط الكبير فأصبح مساعدا لبوش، بعدها حصل على قلادة الشجاعة من اللوبي اليهودي في أمريكا، يا له من شرف عظيم".
وحول العداء الإعلامي الذي يظهره أردوغان لإسرائيل، قال أربكان، خلال حوار تلفزيوني على قناة "Star" التركية، فى نوفمبر/تشرين الثاني 2010، إن "إسرائيل هى من تطلب منه ذلك كي يكسب تأييد الشعب التركي المعادى لإسرائيل، وكذلك باقي الشعوب العربية والإسلامية، فإسرائيل بحاجة ماسة له بالمنطقة، فهو صنيعة الصهيونية".
كما أن أردوغان ذاته، اعترف خلال مقابلة تلفزيونية بدور بلاده في مشروع "الشرق الاوسط"، قائلا، "مدينة ديار بكر الكردية تتمتع بمكانة خاصة لدي، وأرى أنها ستكون نجما في مشروع الشرق الأوسط الكبير لأمريكا، من الممكن أن تكون مركز جذب في المنطقة".
وأضاف، "تركيا لها مهمة في الشرق الأوسط، نحن من رؤساء مشروعي الشرق الأوسط الكبير وشمال أفريقيا، ونحن نقوم بهذه المهمة".
بعدها بعامين، بدأ حاكم تركيا فى طرح مصطلح جغرافي سياسي جديد، وهو "الشرق الأوسط الكبير"، وبدأ يصرح لوسائل الاعلام التركية، وخلال مؤتمراته الحزبية، عن شكل وماهية وكيفية تنفيذ مشروع "الشرق الاوسط الكبير".
زيارة شارون
في الأول من مايو/أيار عام 2005، توجه أردوغان بصحبة زوجته إلى إسرائيل، والتقى برئيس وزرائها آنذاك، آرئيل شارون.
وقال شارون خلال مؤتمر صحفي، "نحن سعداء باستضافة السيد أردوغان، أهلا وسهلا بك في القدس عاصمة اليهود وإسرائيل"، فرد أردوغان، "من دواعي سرورنا أن نكون مع الشعب اليهودي، منذ القرن الخامس عشر وحتى يومنا هذا، تحالف أسلافنا لتحقيق السلام، ولأننا أحفاد أجدادنا سنظل متحالفين لتحقيق السلام، نحن هنا لأسباب تاريخية".
وزار أردوغان خلال الرحلة، قبر مؤسس الصهيونية تيودور هيرتزل، ووضع باقات الزهور عليه، كما زار متحف الهولوكست، ودخل المسجد الأقصى تحت الحماية الإسرائيلية، كأول رئيس مسلم يقدم على هكذا خطوة.
سفينة مرمرة
في 31 مايو/أيار عام 2010، داهمت البحرية الإسرائيلية، سفينة مافي مرمرة التركية، التي تقل على متنها نشطاء حقوقيين يتبعون لجمعية الحقوق والإغاثة الإنسانية (IHH)، ومنعتها من الوصول إلى قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل10 مواطنين أتراك، وإصابة 60 آخرين.
وكعادته، استغل أردوغان الواقعة لتحقيق أهدافه السياسية، وأطلق شعاراته الرنانة المناهضة لإسرائل، ولكن سرعان ما انكشف وجه الحقيقي، بعدما باع دماء شعبه بأسعار رخيصة.
وعقب الهجوم، قطعت تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ورفع أسر الضحايا دعاوى قضائية ضد إسرائيل مطالبين بتعويضات.
في 16 يونيو/حزيران عام 2014، قال أردوغان، "يحاولون أن يصبوا جام غضبهم على منظمة مساعدات إنسانية (IHH)، إنها منظمة ترسل العلاج إلى الرضع في غزة، وترسل الطعام وترسل الأغذية، للصومال وفلسطين والعراق وفلسطين وسوريا وميانمار، تقدم يد العون دون أن تبالي بالمخاطر".
وفي اليوم التالي، قال، إن"إسرائيل غاضبة من منظمة المساعدات الإنسانية بسبب أحداث مافي مرمرة، لقد قالوا عليهم أن يحصلوا على الإذن من السلطة لإرسال المساعدات"، متسائلا، "من هي هذه السلطة يا ترى، هل يقصدون إسرائيل أم الحكومة التركية، فإن يقصدوننا فنحن منحناهم الإذن، ولكنهم يقصدون إسرائيل".
وما هب أيام قليلة حتى كشف حاكم تركيا النقاب عن وجهه الحقيقي، فبعد إقترابه من التوصل لإتفاق مع إسرائيل بشان أحداث السفينة، قال أردوغان حينها، "هل حصلتم على إذن من رئيس وزراء تلك الفترة، لإرسال تلك المساعدات الإنسانية".
ووقعت تركيا في يونيو/ حزيران عام 2016، اتفاقًا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وحل المشاكل العالقة بين الطرفين بسبب حادثة سفينة مرمرة، تدفع إسرائيل بموجبه 20 مليون دولار لأسر الضحايا مقابل تراجع أردوغان عن ملاحقتها جوليا، وهو الأمر الذي تحقق يوم الأول من ديسمبر/كانون الأول 2017، حين أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قراراً يقضي بإسقاط الدعوى ضد إسرائيل وعدم محاكمتها على أحداث سفينة "مرمرة".
القدس عاصمة إسرائيل
"القدس هي العاصمة الحرام للمسلمين، هي نور أعيننا، لن نتركها لقتلة الأطفال"، هذه الكلمات التي قالها حاكم تركيا، في اللقاء الجماهيري الذي أقيم في مدينة إسطنبول في أواخر عام 2017، دعما ونصرةً للقدس، ولكن الإتفاق الذي وقعه مع إسرائيل يقول عكس ذلك، فالإتفاق اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، قبل إعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعام.
وجاء في مضمون الوثيقة، "لقد تم هذا الاتفاق في أنقرة والقدس"، بدلا من عاصمة إسرائيل الحالية تل أبيب، بمعنى أن الاتفاقية جرت بين تركيا وعاصمتها أنقرة وإسرائيل وعاصمتها القدس، الأمر الذي تسبب في صدمة الشعب التركي المتدين بالدهشة وجرح مشاعره، خاصة وأن الفقرة تعتبر اعتراف ضمني من تركيا، بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وفي هذا الشان، علق الدكتور خيام الزعبي، قائلا، "كانت الصدمة الأكبر عندما ظهرت وثيقة رسمية كشفت اعتراف تركيا بالقدس عاصمة لإسرائيل، في الوقت الذي رفضت فيه العديد من دول العالم القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس اعتراف منها بالسيادة الإسرائيلية على أراضي القدس، كما قامت شركات تركية بتولي إنشاء السفارة الأمريكية والدفع بعمال البناء الأتراك بالسفر إلى هناك".
العلاقات بين تركيا وإسرائيل
تجمع تركيا علاقات اقتصادية وعسكرية وسياحية هي الأقوى مع الاحتلال الإسرائيلي، ولم تتأثر تلك العلاقات بتولي حكومة العدالة والتنمية الإخوانية مقاليد الحكم في تركيا عام 2002، إذ عمل الحزب على تعزيز الاتفاقات السابقة مع إسرائيل، غير آبه بتناقض خطابه الذي يظهر حماسه للقضية .
وفي هذا الصدد، قال نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية، مختار غباشي، إن "العلاقات المشبوهة بين البلدين امتدت إلى الجانب الاقتصادى والتجارى، إذ بلغ حجم التبادل بين إسرائيل وتركيا 3 مليارات دولار سنويا، مع احتمالية مضاعفة المبلغ"، مشيرا إلى أن هناك اتفاق يراه المراقبين أنه أخطر اتفاق عقدته إسرائيل مع دولة إسلامية في محيطها الإقليمي ويسمى باتفاق "الشبح" وهو تعاون سياسي استراتيجي عسكري قائم على علاقات مهمة بين الجانبين.
وأكد غباشي، في تصريحات خاصة لـ"الكوفية"، أن "الخطوط الجوية التركية أصبحت الشركة الأجنبية الأكثر عملًا في إسرائيل، إذ تشغل يوميًا 9 رحلات عبر خط إسطنبول – تل أبيب، وتنقل نحو مليون و100 ألف مسافر في السنة"، لافتا إلى أن "جزءًا كبيرًا من السائحين يستغلون الخط إلى إسطنبول للسفر إلى وجهات سياحية بعيدة في العالم".
وأضاف، أن "العلاقات الإسرائيلية التركية علاقات قديمة ومتجذرة مرت بمراحل توترات بين الجانبين، و لكن مازالت العلاقات مهمة جدا على المستوى السياسي والعسكري"، مبينا أن "الولايات المتحدة تلعب دورا رئيسيا في العلاقة، و كلما حدث توترا تتدخل لإنهائه بشكل مباشر".
بدوره، قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الفرات السورية، الدكتور خيام الزعبي، في تصريحات خاصة لـ"الكوفية"، إنه "على الرغم من التصريحات العلنية والمسرحيات الكثيرة التي يقوم بها أردوغان لإحياء الرأي العام الداخلي والخارجي بعدائه الشديد لإسرائيل، إلا أن لغة الأرقام تكشف زيف هذا العداء"، موضحا أن "العلاقات التجارية والاقتصادية وصلت أعلى مستوى لها في الشهور الأخيرة، وأنّ ما يجري مجرد مناورات سياسية يجيدها اردوغان باسم نصرة القضية الفلسطينية، فإسرائيل التي وصفها أردوغان "بدولة الاحتلال والإرهاب" بلغت العلاقات التجارية معها أربعة أضعاف ما كان عليها في السنوات الماضية".
نظام أردوغان يقتل الفلسطينيين
اعتقلت السلطات التركية، مطلع أبريل/نيسان الماضي، مواطنا فلسطينيا يدعى زكي حسن مبارك، ورجلا آخر، يدعى سامر شعبان، بتهمة الحصول على معلومات سرية قد تستخدم في التجسس العسكري والسياسي، دون تقديم أدلة تذكر.
وتعرض مبارك لتعذيب قاس ووحشي في اقبية سجن أردوغان، ما أدى لمقتله في نهاية إبريل الماضي.
وكشف شقيق زكي مبارك، زكريا مبارك، عن خنق أخيه وتعذيبه أثناء انتزاع الاعترافات منه، داخل معتقله بإسطنبول، مؤكدًا وجود شبهة جنائية في وفاة أخيه.
وقال مدير مركز مسارات، الحقوقي صلاح عبد العاطي، في تصريحات خاصة لـ"الكوفية"، إن "الشهيد زكي مبارك اعتقل بشكل تعسفي ولم يسمح لعائلته أو محاميه بزيارته"، مبينا أن "هناك شبهة في وفاته نتيجة التعذيب الشديد داخل السجون التركية، وهذا ما أظهره تقرير الطب الشرعي المصري".
وأضاف، أن "هناك طلبًا رئيسيًا، بفتح تحقيق جاد في ادعاءات الحكومة التركية في جريمة قتل مبارك وأيضا محاسبة من قام بذلك، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن"، لافتا إلى أن هذا الملف يتطلب متابعة قانونية وحقوقية من أجل ضمان حق مبارك وأي شخص يتعرض للتعذيب، باعتبارها جريمة تنتهك كل الأعراف والمواثيق الدولية.
وأكد عبد العاطي، أنه "لم يتم فتح تحقيق كون الحكومة التركية تعاملت مع الملف باعتباره سياسيا، بررت من خلاله ما جرى مع زكي مبارك، وهذا أمر معيب حيث كانت الرواية الأولى أنه انتحر داخل السجن وهذه الرواية كذبتها الوقائع، ونفاها تقريرا الطب الشرعي التركي والمصري".
وشدد على أن "حل هذه القضية تتطلب ضغطا من المنظمات الدولية والأمم المتحدة السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تقاعست في متابعة هذه القضية، وأيضا المعتقلين الفلسطينين الذين تعرضوا للإعتقال على خلفية الهجرة عن طريق تركيا أو لأي أسباب أخرى، وهذا يتطلب متابعة جادة من السفارة الفلسطينية في تركيا منعا لتكرار مثل هذه الحوادث مع فلسطينيين آخرين".
الأرقام لا تكذب
أصدرت منظمة "أونروا" تقريرا يرصد أهم المتبرعين والداعمين للشعب الفلسطيني على مستوى العالم، الذي خلا من دول تركيا وقطر وإيران.
وجاءت المملكة العربية السعودية في المركز الرابع بإجمالي يصل إلى 96 مليون دولار سنويا، والكويت في المركز الثامن، بإجمالي 32 مليون دولار، أما الإمارات العربية المتحدة فجاءت في المركز الـ12 بإجمالي 17 مليون دولار.
وحتى في قائمة أكبر 20 داعما "غير حكومي" للاجئين الفلسطينيين عالميا، اختفت أسماء قطر وتركيا وإيران، بينما يمكننا رؤية اسم بنك التنمية الإسلامي في جدة بالمركز الثاني على مستوى العالم، بإجمالي تبرعات بلغت 40 مليون دولار، يليله الهلال الأحمر الإماراتي بأكثر من 8 ملايين دولار.