من المفارقات الكبرى، أن الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال تدفع ثمنًا للمخطط الأمريكي لتقسيم المنطقة العربية، وتفتيتها كيانات هامشية، هي سوريا، والتي كانت الدولة العربية الوحيدة ذات الاكتفاء الذاتي اقتصاديًا ما قبل المؤامرة الأخطر منذ مشروع "سايكس بيكو" الأول 1916، بين القوى الاستعمارية في حينه، بريطانيا، فرنسا، روسيا القيصرية وإيطاليا، لتقاسم "الإمبراطورية المهترئة العثمانية".
المؤامرة الأمريكية على سوريا، نفذتها أدوات محلية غارقة في عدائها للكيانية الاستقلالية، ودعمتها دول وأطراف عربية وإقليمية، وصلت أن تقود قطر بكل صفاقة سياسية حرب تعليق عضويتها في الجامعة العربية، تعزيزا للمؤامرة السوداء...ولا زالت عضويتها عالقة، رغم اكتشاف جوهر المخطط، والذي كرست عاموده الفقري مصر في 30 يونيو 2013، الا أن حسابات بعض الأطراف لا تزال تمثل عقبة لتصويب الخطيئة السياسية الكبرى.
المخطط الأسود، فرض معادلات مختلفة، استفادت منها أطراف وتضررت أخرى، وبعض المتآمرين، يستغلون دعم إيران ثم روسيا لمنع اسقاط الدولة السورية، وتبيانه كأنه مصادرة لـ "الاستقلالية الكيانية"، متجاهلين أن الحقيقة هي وقف مشروع كان يرمي لتدمير كل بعد استقلالي، وبناء أدوات تبيعة ظلامية الفكر والموقف.
نجحت سوريا، بدعم لا يجب نكرانه، أي كان الاختلاف مع إيران وكذلك حضور روسي عسكري هو الأكبر ما بعد 1967، ولم تنقطع صلات التواصل العربي معها، وأن كان غالبها بخجل سياسي، إلى أن بدأت حركة الاتصال تكسر بعض قواعد الحرج، لتفتح ثغرة في "الجدار العازل" الذي بنته أمريكا حول سوريا عام 2011، تقديرا أنه سيبقى طويلًا.
وجاءت زيارة الرئيس السوري إلى دولة الإمارات يوم الجمعة 18 مارس 2022، في أول زيارة خارج سوريا منذ 2011، لتطلق حركة العودة السورية إلى واقعها الحقيقي ضمن العمق العربي، وفي توقيت سياسي عالمي جديد.
زيارة الأسد، إلى الإمارات، خطوة على طريق تفكير عربي لمواجهة التطورات التي فرضتها "حرب أوكرانيا"، وما سيليها من تغيير جوهري في الخريطة الجيوسياسية عالميا، والدور العربي المفترض أن يكون، خطوة تعلن آلية لوقف عملية تقويض الأمن القومي العام.
وكي لا نذهب بعيدا، لنقرأ جيدًا، وبعيدًا عن "الشخصنة السياسية" رد فعل الإدارة الأمريكية الفوري على الزيارة، وعله الوحيد إلى جانب أوساط بعض أعداء الدولة السورية من الذين ارتبطوا بالمخطط الأسود، فخارجية واشنطن سارعت إلى التعبير عن "قلقها" من زيارة الأسد إلى الإمارات، وحسمت أمرها أنها لن تسمح بعودة سوريا ورفع الحظر عنها.
رد الفعل الأمريكي يكثف الوجه الآخر للزيارة، أنها تفتح "أفقا سياسيا جديدا" في حركة بناء موقف قومي ضمن السياق العالمي الجديد، يرتكز على محاور القوة التي تمتلكها البلدان العربية، سياسيا، أمنيا واقتصاديا.
قيام الإمارات بعملية اختراق لـ "الجدار العازل" الأمريكي حول سوريا، كسر محظورا تم استغلاله من البعض المروج للعزلة، ما يتعلق بالموقف من إيران، ولعل تلك مسألة لها حساسية مركبة، خاصة والسلوك الإيراني في منطقة الخليج عدائيا، ومثيرا لكل أشكال التوتر معها، ولذا فزيارة الأسد ستجبر هذا البعض على إعادة التفكير بطريقة "مستحدثة"، لعدم الاستمرار في استخدام الخلاف الإيراني أداة لغاية تلحق ضررا جوهريا بالأمن القومي العربي.
زيارة الأسد حركة فصل بين مرحلة استمرت 11 عامًا منذ 2011 إلى 2022، تماثل في بعض أبعادها العملية الروسية في 24 فبراير، لكسر الهيمنة الأمريكية التي طال زمنها، وآن أوان نهايتها، وهي علامة مضافة لعلامات "التمرد الرسمي" العربي عليها.
ملاحظة: من سخريات الكلام، ما قالته مسؤولة أمريكية عن أهمية "حل الدولتين".. طيب يا شطورة هو مين اللي معطل هيك حل وليش دولتك واقفة زي "أمنا الغولة" في كل مكان لمنع أي عقاب على الكيان اللي رافضه.. مش دايما الكذب بيمر هيك.. العبي غيرها!
تنويه خاص: حكي رئيس البرلمان الكويتي الشاب مرزوق الغانم عن "ازدواجية معايير استخدام الشرعية"، وطلب طرد روسيا دون إسرائيل، مفروض يصير كلام كل الرسميات العربية.. لو صار هيك أمريكا وغيرها بتحسسوا روسهم مش بعزلوا روسيا!