بعد غياب طويل عن زيارة بلدان الخليج، قرر رئيس وزراء بريطانيا (التي كانت الاستعمار الأكبر) الذهاب الى الإمارات والعربية السعودية في محاولة لكسر الموقف العام من التزام كلا البلدين باتفاق دول أوبك حو انتاج النفط، وخلق مزود لنقص الطاقة وما سيترتب عليه من "آثار كارثية" اقتصادية عامة.
ومن ملامح الزيارة الأولى، استقبالا بدأت ملامح الفشل المبكر، لـ "غزوة جونسون الخليجية" عندما غابت بعضا من مراسم الترحيب العربي التقليدي لاستقبال رئيس وزراء بحجم دولة كبريطانيا، كانت تقليديا ترتبط بعلاقات خاصة مع دول الخليج كافة.
زيارة لم تر مؤتمرًا صحفيًا ولا عملًا مشترًكا كما هي عادة اللقاءات بحجم الزائر ووزن الدول التي يزور، وقيمة الموضوع وأهميته قيد البحث، اقتصر الكلام على تسريبات وبيان عام لا يقدم للمواطن الغربي حلا لكارثة قادمة، وهو الذي كان يعتقد أن حكوماته تأمر فتطاع في بلاد العرب.
فشل الزيارة البروتوكولي، بذاته أول ملامح التغيير الرسمي الخليجي في التعامل الجديد مع دول الغرب (الاستعماري)، فكانت صفعة مضافة لما سبق أن بدأ برفض استقبال مكالمة الرئيس الأمريكي (فاقد الوعي)، ورفض الانجرار بالشراكة في المؤامرة الدولية بحرب عالمية اقتصادية بدأت ضد روسيا، عبر أوسع عقوبات في التاريخ، دفاعا عن استمرار عدوانيتهم، وفتح الطريق لسيطرة بشكل مختلف على مقدرات أمم وشعوب.
بدون أي ارباك، رفضت العربية السعودية ودولة الإمارات عبر "الثنائي السياسي الصاعد" المحمدين، بن سلمان وبن زايد، مطالب رئيس وزراء بريطانيا جونسون (القادم بتنسيق مع إدارة بايدن) للتلاعب بأسعار البترول، بما يخدم مصالح دول محور الشر الاستعماري، على حساب مصالح منتجي النفط ذاتهم، خاصة وأن حرب محور الغرب لا يوجد للعرب بها أي مصلحة سياسية واقتصادية بها، بل ربما العكس تماما، فلو تمكن المحور من كسر روسيا وفرض شروطهم عليها، لتحولت غالبية البلدان العربية الى "جمهوريات موز" جديدة.
فمن حيث المبدأ، كل المصلحة الاستراتيجية للدول العربية، وخاصة دول الخليج، ان تنتصر روسيا وتفرض معادلة دولية جديدة، لا تعود أمريكا هي ذاتها ما قبل 24 فبراير 2022، ورسم عالم متعدد القطبية، سيكون حتميا لصالح العرب أي كان تمثيلهم في الخريطة الجيوسياسية القادمة.
لقد اكتشف دول الخليج، ان أمريكا لن تخوض يوما أي معركة دفاعا عنها، ولن تهتز لهم شعرة مهما حدث في تلك البلدان، ما دامت مصالحها غير مصابة برجة أو هزة، بل أنها كانت طرفا بشكل أو بآخر فيما هدد أمن دول الخليج لصالح غيرهم، معتقدين أنها وسيلة ابتزاز وتركيع.
تجارب الماضي القريب، كشفت من جوهر السياسة الأمريكية ما كان لقيادات تلك الدول الاعتراف به، رغم انها تعلمه جيدا، ولكنها لم تتعامل مع مسارها وفقا لما تملك من قدرات وقوة تأثير أكثر بكثير من واقع المشهد القائم، ورغم انها تملك أوراق قوة حقيقية لإرباك دول المحور الاستعماري، لكنها لم تفكر في كيفية الاستفادة السياسية منها.
ومع أول خطوات حراك "غير تقليدي" من تلك الدول، بدأت حركة الهرولة والمناشدة والترجي، بدلا من لغة "الأمر والطاعة" التي سادت طوال سنوات لم تحصد خيرا منها، وليس سرا أن ما نشرته وسائل الإعلام الغربية، خاصة الأمريكية حول تطورات تلك العلاقة أحدث تغييرا يقترب من أن يكون "جوهريا" في رسم قواعد جديدة لتلك العلاقات، ولن تعود الى ما كانت عليه قبل 24 فبراير.
رفض السعودية والإمارات لطلبات "محور الشر الاستعماري" بالدخول طرفا في الحرب العالمية الجديدة ضد روسيا، وموضوعيا ضد الصين والهند، القوى الصاعدة بقوة، بداية لـ "شراكة سياسية" في المركز العالمي المنتظر.
بالتأكيد، رفض الانصياع الى زيادة انتاج النفط لمواجهة النتائج ما سيترتب عقوباتهم ضد روسيا، خطوة لا يجب أن تبقى وحيدة، ولكنها مفصلية للذهاب نحو خطوات أخرى جوهرية، قادرة على أن تكون قوة ضغط حقيقية في الصراع، من باب الاقتصاد ورأس المال.
خلال أسابيع معدودة، ورغم فقدان وحدة الموقف العربي وغياب المركز، تمكنت دول عربية أن تعيد القيمة السياسية للوزن العربي، وتركيا مثالا متحركا، وزيارة جونسون وتوسل أمريكا لمكاملة هاتفية، ما كان لها أن تكون لو كان مسار مواقف تلك البلدان كما كان قبل عام من تاريخه.
دروس حرب أوكرانيا لم تنته بعد.. والعرب ربما يكونوا الأكثر ربحا سياسيا لو استثمروا ما لهم ولديهم من "أوراق فعل حقيقي".. قادم الأيام أقل ظلامية قطعا!
ملاحظة: مجددا تحول بايدن الى سخرية جديدة، بعدما فقد التركيز وقام بتمثيل مشهد مسرحي ليتأتئ بعبارة ترجمت لاحقا الى اعتبار "بوتين مجرم حرب".. طيب يا أبو العريف خليك قد هالحكي واطلب من جماعة محورك يقطعوا الاتصالات معه.. صدق فيك ترامب يا "نعسان"!
تنويه خاص: ان يجبر البنك المركزي الأمريكي على رفع نسبة الفايدة، لأول مرة من 3 سنين، تحت وقع الضربات الروسية، بشرة خير أن ملامح التغيير بدأت.. صدقت فيهم يا معمر.!