في يوم 28 يوليو 2021 منح الرئيس محمود عباس و"خليته المصغرة"، وزيرة الصحة مي الكيلة بلقاء وفد وزاري من دولة الكيان في القدس الغربية في فندق مقام على أرض المالحة التي دمرتها قوات الاغتصاب عام 1948، لقاء كسر ثابتا وطنيا ودوليا بعدم الاعتراف بالإجراءات الإسرائيلية فيها، ولا زال قرار الأمم المتحدة حول وضع القدس الخاص قائما كما ورد في قرار الأمم المتحدة 181 عام 1947، وتأكيد ذلك في قرار مجلس 252 عام 1962، وما تلاه في قرار 267 عام 1969 بعد الاحتلال عام 1967.
ويبدو أن "خلية الرئيس عباس المصغرة" قدمت له تلك الخطوة كمفتاح ذهبي للوصول الى "علاقة حارة" مع رأسي حكومة "التغيير" في الكيان بينيت ولابيد، ولكن الرد من كلاها، ليس تجاهل لقيمة الخنوع في خطوة "لقاء المالحة"، بل فيما قاله كلاهما بعد ذلك، انهما لن يجريا أي اتصال سياسي مع الرئيس عباس، ولن يهاتفاه.
ومرت الإهانة السياسية التي مست نظام السلطة بكل أركانها، دون "همسة عتاب"، وتواصلت حركة "التبادل العناقي" من قبل مقر الرئيس وخليته مع "حكومة الثنائي" دون تأثر بالإهانة السياسية، وبالتأكيد لم ينقصهم تبريرا لبقاء "قلوبهم قبل أيديهم مفتوحة" لهم.
وعشية وصول مدير المخابرات المركزية الأمريكية الى تل أبيب ورام الله، أعلنت حكومة "الثنائي" بأنها "سمحت" ببناء 1000 وحدة سكنية فلسطينية في المنطقة ج (60%) من مساحة الضفة، مقابل 2200 وحدة استيطانية، ويبدو أن الرقم أربك الأمريكان فخفضوه الى 1000، رقم مواز للبناء الفلسطيني، وبعد مرور ساعات ولعدم "التشويش" على لقاء بيرنز مع الرئيس عباس وجهازه الأمني، صدر بيان من مقره يرفض تلك الخطوة، بيان يعلن أن من كتبه تجاهل ليس مخالفة الاستيطان، بل استمرار مصادرة الأراضي الفلسطينية في منطقة ج، والذي انتهى موضوعيا تقسيم الضفة الى 3 مناطق عام 2000، وأصبحت رسميا أرض دولة فلسطين وفق قرار الأمم المتحدة 19/ 67 لعام 2012، أكدته المحكمة الجنائية في قرارها عام 2021، ثم تقرير أمريكي لمنظمة "هيومن رايتس ووتس".
ولأن الصمت على الاهانات السياسية لا ينتج سوى إهانات أكثر من طغمة سياسية حاكمة في تل أبيب، أعلنت قناة عبرية (12)، ان راس حكومة "التغيير" نفتالي بينيت رفض طلبا من وزير الجيش غانتس للقيام بالاتصال بالرئيس عباس وترتيب لقاء بينهما، لكن "الغر السياسي" رفض ذلك، تأكيدا لموقفه الأساس بعدم اعتبار وجود "شريك سياسي" لإسرائيل، يمكن التواصل معه، والأكثر سخرية أن يعتبر شريك بينيت الوزير لابيد أن السلطة ليست نظام ديمقراطي، ولذا لا اتصال معها حتى ولادة "البديل الديمقراطي".
المأساة الكبرى، ليس ما قاله "الثنائي الإرهابي"، اللذان يقودان حكومة جرائم حرب، وتجاهلهم وجود نظام سياسي فلسطيني، ولا اتصال معه حتى تصنع هي "كيانا ديمقراطيا" بمقاسها، كما فعل جورج بوش الابن عام 2002 في خطته الشهيرة للخلاص من الخالد المؤسس ياسر عرفات، بل في صمت غريب على ما حدث وما يقال، وكأن الأمر مقبول لا يشكل أي حالة إزعاج لمكانة الرئيس عباس ونظامه القائم.
كيف يمكن بعد تلك "الاهانات السياسية" أن يروا في مقر المقاطعة لهم الحق في اعتبار ذاتهم ممثل رسمي للشعب الفلسطيني، في ظل صمت مطلق وخنوع أمام إهانات سياسية، وسحب اعتراف بهم كسلطة قائمة، وكأنها أداة تقدم خدمة أمنية مقابل امتيازات وأموال.
من العجب أن يثور الرئيس عباس وكل فريقه الخاص على أي موقف فلسطيني يمس "مكانته"، بل ويصفه بأنها متساوق مع موقف الأعداء ويعمل على صناعة "بديل"، وقد يكون في ذلك بعضا من حقيقة، ولكن، أليس صمتهم على حكومة الكيان وعدم "الهمس عتابا" بعد سحب الاعتراف بها كسلطة سياسية واعتبارها سلطة خدمات لها وظائف محددة مقابل راتب شهري وخدمات خاصة، كيف يمكن لأي فلسطيني أن يصدق حقيقة ان "التمثيل الرسمي" لا زال في أيدي أمينة، وهو يراها ليست مرتعشة فحسب أمام سلطات الاحتلال، بل لا تجرؤ النطق بكلمة ملامة على جملة ما أصابها، بل واعتبارها غير ذي صلة.
نعلم أن هنا "أوراق قوة هائلة" يمتلكها الرئيس عباس للرد على دولة الكيان حكومة وأجهزة، يمكنها أن تربك كل المشهد القائم، بقرارين لا ثالث لهما، سحب الاعتراف بإسرائيل واعتبارها دولة غزو وعدوان، ومعه قرار اعتبار دولة فلسطين قائمة في كل الأراضي المحتلة وفقا للقرار الأمم المتحدة، وهي دولة تحت الاحتلال.
قرارين سيضعان دولة العدو القومي، أمام ورطة سياسية كبرى، إما أن تقوم بعملية إعادة احتلال وشن حملة اعتقالات لكل مكونات السلطة بما فيها رئيسها، وتتحمل تبعية ذلك، أو أن تسارع الرباعيات القائمة للبحث عن حل ما لإنقاذ دولة الكيان من ورطتها، وفي طريق إنقاذ بقايا السلطة.
القرار بيد الرئيس عباس...هل تريد أن تكون فلسطينيا ترفض الإهانة المتلاحقة، أم رئيسا يتعايش معها الى حين إيجاد بديله إسرائيليا...ولكل منهما طريق... الأول تكون زعيما لشعب وقضية والثاني سلاما لكل ما كنت يوما... خيار جنة الشعب أم نار العدو، ولا منطقة أعراف بينهما!.