"الإطار السياسي الفلسطيني" كان جزءًا من المتفق عليه في حوارات القاهرة القديمة، كإطار تواصل بين مختلف القوى الى حين إكمال "مسار تصالحي شمولي"، مع الأخذ بأنه ليس بديلا للأطر الرسمية القائمة، خاصة اللجنة التنفيذية، لكنه بدأ وكأنه "خطوة الضرورة التي تفرضها الحالة السياسية".
الإطار كان بمثابة "خلية عمل" ضمت فصائل منظمة التحرير وحركتي حماس والجهاد، وتجمعا لشخصيات قيل إنها "مستقلة" توزعت بين جناحي بقايا الوطن "بقيادة رجال أعمال وليسوا سياسيين"، ولعلها المرة الأولى التي يتشكل فيها مثل هذا الإطار، كان له أن يكون "حصن نسبي" لحصار الانتكاسات المتلاحقة للقضية الفلسطينية.
تعطيل "الإطار المسؤول" بذريعة أنه يتجه ليصبح "بديلا" عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ثبت أنه ليس سوى ذريعة "ساذجة"، ليس لان ذلك غير ممكن "قانونا" أو عمليا، ولكن لأن اللجنة التنفيذية ذاتها غابت عن الحضور الحقيقي، بل لم يعد لها أي دور رئيسي في أي من القرارات المركزية، وتحولت للمرة الأولى منذ تأسيس منظمة التحرير عام 1964 بقيادة التاريخي أحمد الشقيري، من جهة قرار وتنفيذ الى "مؤسسة استشارية" تلتقي بدون رئيسها غالبا، ثم غابت حتى اللقاءات تلك بغياب أمين سرها الراحل صائب عريقات.
لذلك تعطيل "الإطار القيادي" لم يكن بهدف حماية "الرسمية الفلسطينية" من "شبهة البديل"، بقدر منع وجود أي إطار يمنع الاستفراد الذاتي، وخطف القرار الوطني عبر
آلية وهمية بـ "نقاب رسمي شرعي"، ويعيد الاعتبار لبعض من "أشكال صناعة موقف فلسطيني".
ولأن الأمر ليس حسابا لما كان، بل البحث لما يجب أن يكون، ويترك التدقيق في مسببات الغياب الى وقت لاحق لو أريد تجنب ما عرقل والاستفادة من "خطايا" أدت الى خدمة عدو وإنهاك مشروع وطني، ولذا يراه الكثيرون من أبناء فلسطين أنه "زمن السواد السياسي" الذي أنهك كثيرا من "منجزاته الوطنية"، بما فيها كسر ظهر أول سلطة وطنية أقيمت فوق أرض فلسطين.
كان مفترض أن تنتج حوارات القاهرة الأخيرة فبراير ومارس 2021، بداية عملية لإعادة الاعتبار لـ "الإطار القيادي الفلسطيني" لمتابعة ما تم الاتفاق عليه من جهة، ووضع رؤى متفق عليها لمواجهة التطورات المتسارعة، وتنعكس بشكل مباشر على القضية الوطنية، وأن القضية المركزية ليس الانتخابات بذاتها، بل آلية مواجهة المشروع التهويدي، بالتوازي مع الحديث عن الانتخابات سواء حدثت أم لن تحدث، ولكن الرئيسي الذي لا مجال لتأجيله، هو مواجهة المشروع المعادي وحماية المشروع الوطني.
الإطار الذي كان، لا يستوجب خوض "معارك تفاوضية و"جولات حوارية" كونه أقصر الطرق لمتابعة البحث في سبل إنهاء الانقسام وحصار كل ما يمكن أن يبرز خلال مسار العمل الذاهب كما "يدعون" لإعادة الاعتبار للوحدتين السياسية والجغرافية كيانا وإطارا.
غياب الإطار" يعكس أن الادعاءات الإعلامية حول اللحظة "التاريخية" ليس سوى كلام لا يترك أثرا، وتنتهي قيمته بانتهاء قائله من الكلام.
وكي لا يستمر التيه الذي بدأ فيما بعد "زمن الخالد ياسر عرفات"، يجب العودة فورا الى تشكيل ذلك الإطار كخلية أزمة حقيقية، تناقش مختلف الأبعاد التي تواجه القضية الفلسطينية، كمطبخ سياسي لصناعة القرار الوطني، والذي يمكن ان يترجم عبر اللجنة التنفيذية "الغائب الحاضر"، ولكن وجود هذا الإطار ربما أصبح ضرورة وطنية بكل ابعادها، تضع على طاولة البحث التطورات المتسارعة، السياسية والانتخابية، بما فيها "أزمة القدس".
ولأن الأمر ليس بدعة اللحظة، فقد كان ذلك حاضرا مع انطلاقة الثورة المعاصرة، وحتى رحيل المؤسس الشهيد أبو عمار، باسم "القيادة الفلسطينية"، إطار كان عمليا هو "المطبخ الحقيقي" لصناعة المواقف وكل ما يرتبط به من حسابات آنية واستراتيجية، إطار ضم الأمناء العامون والشخصيات المركزية الرئيسية، فمع الخالد كان هناك جورج حبش وأبو إياد مع نايف حواتمة، وأبو جهاد وأحمد جبريل وزهير محسن ولاحقا قيادات العمل الوطني من أحزاب وشخصيات مستقلة...إطار لم يغب حتى في ظل الأزمات الكبرى التي هددت المسار والمسيرة.
واليوم قد يكون وجود الإطار – خلية الأزمة الوطنية، أكثر ضرورة سياسية مما سبق نتاج التهديد الشمولي ضد القضية الفلسطينية ومشروعها العام...
جدية الكلام لإنهاء الانقسام تبدأ من هنا...وغير ذلك يكون فعل تقاسم وظيفي وبحث عن "محاصصة فصائلية"، يستحوذ فيها قطبي الأزمة على الحصة الأكبر لتعزيز القسمة الوطنية بأسماء مستعارة"، حكومة ما" لغاية ما تتعاكس والمصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
خلية أزمة سياسية تكون "فرن صناعة القرار" هي خطوة الضرورة الأولى، والى حين تشكيلها مارسوا هوايتكم في تعميق حركة "التيه الوطني"...!