غزة – عمرو طبش: على مدار مئات السنوات، كان تشتهر مدينة غزة بالعديد من الحرف اليدوية التراثية القديمة التي برع سكانها وأبدعوا فيها، ولعل من أشهر هذه الصناعات صناعة الخيزران، التي عمل بها مئات الأشخاص، وكانوا يصدرون منتجاتهم إلى الخارج، ولكن الحرفة التراثية أصبحت اليوم على شفا الاندثار.
وتعبر صناعة الخيزران عن أصالة التاريخ الفلسطيني، إذ يعود عمرها إلى أكثر من 100 عام، وقد استطاع الحرفي الفلسطيني طارق خلف أن يثبت مهارته بتحويل تلك المواد الأولية البسيطة إلى تحف فنية شديدة الإتقان.
يروي طارق خلف صاحب مصنع خيزران في غزة تفاصيل قصته لـ"الكوفية"، أنه يعمل في مهنة الخيزران منذ عشرين عاماً، حيث أنه ورثها عن والده وجده رجب خلف الذي بدأ فيها منذ عام 1929 حتى عام 1974، ومن ثم انتقلت لوالده حتى وصلت إليه.
وأوضح، "بدأت العمل مع والدي في تلك المهنة خلال الإجازات الصيفية، خاصةً أنه كان دائماً يشجعنا ويحفزنا للعمل بهذه المهنة، وأغلب الأعمال أنا كنت أعمال بدال والدي".
وبيّن خلف، أن "صناعة الخيزران تعتمد على الأيدي العاملة والعقل المفكر بشكل أساسي، لأنه اليوم أي عود خيزران ممكن استعمله، بتحدث معاه كأني بتحدث مع إنسان، يعني كيف أنا بدي أشكل فيك، أنت مخك صعب سهل، أنت ممكن تتجاوب معايا".
وقال، إن صناعة أثاث الخيزران ليست بالمهنة السهلة، بل تحتاج إلى مهارة ودقة وتركيز، إذ انها تعتبر من أهم الحرف اليدوية التراثية الفلسطينية التي تعبر عن الماضي العريق، وتحتاج لمجهود كبير وسنوات طويلة من الخبرة لإتقانها.
وأضاف خلف، أن الخيزران عبارة عن ألياف مرنة، ولكن يوجد منها نوعان، فالنوع الأول يتم تشكيله عن طريق الماء، أما النوع الثاني يتم تشكيله عن طريق النار، متابعاً أن المواد الخام التي يستخدمها في الصناعة هي نفس المواد التي استخدمها جده منذ مئات السنوات.
وأكد، أن الخيزران في قطاع غزة يواكب التطور في كل مرحلة، موضحاً أن العمر الافتراضي للخيزران مرتبط بمدى الاهتمام والمحافظة عليه، متابعاً "في بيت جدي موجود طقم من الخيزران عمره 65 عاماً، وحتى الآن محافظين عليه".
وأوضح خلف، أن الكراسي وأطقم الكنب التي يتم صناعتها من الخيزران تختلف عن نظيرتها المصنوعة من الخشب، من حيث الجودة والخفة وسهولة التنظيف والنقل.
ونوه إلى أن صناعة الخيزران كانت مهنة مزدهرة، إلا أنها شهدت تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به قطاع غزة.
وقال خلف، "أحاول أن أبقى صامداً في تلك المهنة، ولكن أحتاج دعم الجهات المسؤولة من أجل الحفاظ على المهن التراثية القديمة وحمايتها من الاندثار".