غزة - عمرو طبش: "أكلنا السمك يما".. ثلاث كلمات تلخص معاناة شباب غزة الباحثين عن الحياة في عرض البحر، بعد أن نهش القهر قلوبهم، هربوا من أمواج الحصار والبطالة والفقر والانقسام، لتضربهم أمواج البحر الغادر بكل قسوة دون شفقة أو رحمة، لتنهش الأسماك أجسادهم المنهكة من ويلات الحروب والحصار والفقر والبطالة والعجز.
"أكلنا السمك يما" تسجيل صوتي وصل الى السيدة محيسن بربخ من ابنها يحيى "26 عاما" من سكان مدينة خانيونس، وهو يستنجد بوالدته، الذي هاجر الى تركيا قبل شهرين كباقي الشباب من غزة، لكي يتمكن من الوصول الى اليونان بواسطة التهريب عن طريق البحر.
بعد العديد من المحاولات التي باءت بالفشل، غرق المركب الذي كان متجه لليونان محمل بـ20 شخص من غزة بينهم يحيى بربخ.
تروي السيدة محيسن بربخ، والدة الشاب يحيى أحد الناجين من الغرق، تفاصيل قصته لـ"الكوفية"، قالت أن نجلها متزوج ولديه طفلين ولا يستطيع إعالة أسرته لأنه عاطل عن العمل، فقرر الهجرة الى تركيا قبل شهرين، نظراً لانتشار البطالة ، وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها قطاع غزة، موضحةً أنها في البداية عارضت ابنها في هجرته الى الخارج، لكنه اصر على الخروج.
وأوضحت ، " قبل ما يهاجر كان دائماً يحكيلي ما أنتي شايفة يا أمي مش قادر أصرف على ولادي، لأنه فشي شغل أبدا بغزة، وفي حال وجدت الأجر بيكون بسعر رخيص جداً، في هذه اللحظة ما قدرت أقف في طريقه لأن بده يبحث في الخارج عن عمل يضمن له العيش بحياة كريمة هو وأسرته".
وتابعت بربخ، قبل هجرته من غزة الى الخارج، كان مخططاً بأن يسافر الى تركيا ومن ثم يتجه الى اليونان عبر البحر الأسود بواسطة مركب "لانش"، كي يتمكن من الانتقال الى بلجيكا، وبعد فترة من الزمن يأخذ الإقامة ويستطيع بعد ذلك جلب جميع أفراد عائلته الى هناك كي يعيشوا حياة كريمة.
وتابعت ، قبل شهرين تمكن من السفر والوصول الى الأراضي التركية، مشيرةً الى أنه حاول مرتين في الهجرة الى اليونان، ولكن تلك المحاولات باءت بالفشل، بعد القاء القبض عليه من قبل الأمن التركي في البحر، وتم حبسه في سجونها لفترة، وبعدها يتم اطلاق سراحه، مبينةً أنه يأخذ قسطاً من الراحة بعد سجنه ثم يعاود مرة أخرى المحاولة في الهجرة.
وواصلت بربخ ، "قبل يومين تواصل معي يحيى وطلب مني الدعاء، لخوضه المحاولة الثالثة، من خلال مركب "الجيت بوت" لأنه أسرع، وخلال نصف ساعة يصل الى اليونان، وأخبرني أول ما يفصل عنده النت بيكون بدأ التحرك باتجاه اليونان.
وأكملت، في تمام الساعة الخامسة مساءاً فصل الانترنت عن يحيى، حيث أنها من هذه اللحظة بدأت في الانتظار وعد الدقائق حتى وصلت الساعة الخامسة والنصف، كما أبلغها يحي بوصوله خلال نصف ساعة، ولكن بدأت عقارب الساعة تتقدم أكثر فأكثر حتى وصلت الى الساعة الثامنة ولا يوجد أي خبر من يحيى بأنه وصل اليونان.
وأكدت، في هذه اللحظة حاولت الاتصال مع أقاربه الموجودين معه في المركب، ولكنهم أيضاً لا يوجد اتصال انترنت لديهم ، متابعةً "بعد مرور ساعات من الوقت حطيت أملي بالله، والله لا يحط أي شخص مكاني، مضت ستة ساعات وأنا لا أعرف شيئاً عن يحيى.
وفي تمام الساعة العاشرة والنصف مساءاً، وصلت اليها تسجيلات صوتية على رقمها خلال تطبيق واتساب من رقم غريب، مشيرةً الى أنها قبل سماع التسجيلات اعتقدت أنه يحيى هو من قام بإرسالها لكي يخبرهم أنه وصل اليونان، حيث أن جميع أشقاؤه اجتمعوا حتى يسمعوا خبر وصوله.
وقالت بربخ "فتحت التسجيلات الصوتية، وانصدمت صدمة كبيرة عند سماعها، كان ابني خائف ويبكي ويقول، الحقيني يا ماما غرقنا والنا ساعتين في البحر وما في حد ينقذنا، وعنده أكلنا السمك والله عنا موتنا الحقيني يا ماما وبعد هيك مرة أخرى انقطع الاتصال"، مبينةً أنها في تلك اللحظة لم تتمالك نفسها وانهارت بالبكاء، لأنها تقف عاجزة أمام نجلها، ولم تستطيع مساعدته.
وأكدت أنها بعد فقدان الاتصال مرة أخرى، جلست حائرة لم تستطيع معرفة مصير ابنها، هل هو ما زال على قيد الحياة، أم لا يستطيع النجاة وغرق في البحر، منوهةً الى أنه مر العديد من الساعات على حيرتها، فحاولت عدة مرات بالوصول اليه، ولكن في المرة الأخير أجيب على الاتصال، وأخبرها أنه محجوز لدى الأمن التركي وسيتم نقله الى المشفى بعد نجاته من الغرق ولكن مصيره مجهول، إذ أن باقي أقاربه وأصدقائه غرقوا ولم يتمكنوا من النجاة من الغرق في البحر.
وعبرت بربخ "والله قلبي مجروح ومكسور لأني عاجزة عن مساعدة ابني، وأولادي ، وزوجي توفى وهم أطفال، وأنا ربيتهم حتى كبروا، ابني يحيى هو الكبير، وهو أبونا وأخونا وسندنا وكل حاجة بحياتنا، وأخواته ما الهم غيره، حسبي الله ونعم الوكيل في يلي كان السبب بهجرة الشباب لأن كلهم طلعوا وما ضل حد في البلد وخطيتهم برقبة المسؤولين وحسبي الله".