سلوى عمار: جرافات تسير بخُطى ثابتة في طريقها لمحو آثار العدوان، وأسياخ حديدية تقف شامخة فوق الركام، ورجال يعملون بعزم وجهد من أجل البناء، جميعها مشاهد تلخص معنى الإصرار والعزيمة الفلسطينية على رفض الهدم والمُضي قدماً نحو إعادة الإعمار.
بعد قصفه.. إزالة أنقاض برج الجلاء
أنهى عمال من قطاع غزة عملية إزالة أنقاض برج الجلاء بـغزة الذي قصفته طائرات الاحتلال خلال العدوان الأخير على القطاع في مايو / آيار الماضي، ويُعد واحدا من أهم وأقدم أبراج المدينة.
تكمن أهمية البرج في كونه من أقدم أبراج غزة وأكبرها حيث يبلغ ارتفاعه أكثر من 50 مترًا ويتكون من 13 طابقًا ويُستخدم كشقق سكنية ومكاتب يستخدمها الأطباء والمحامون وشبكات الأخبار الدولية والعالمية وعدد من الشركات.
"الأشغال العامة" بـغزة: إنجاز ما يزيد على 90% من عملية إزالة الركام
كشف وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، ناجي سرحان عن آخر التطورات والمستجدات حول عملية إعادة الإعمار بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، موضحاً أنه تم إنجاز ما يزيد على 90% من عمليات إزالة الركام.
وأوضح سرحان، أن الوزارة في انتظار إدخال الأموال للبدء فعليًا بعجلة إعمار ما دمره الاحتلال في العدوان الأخير، مؤكداً أن هناك جهودًا تبذل من مصر وقطر مع الاحتلال الإسرائيلي للبدء في عملية الإعمار، بالرغم من أن الاحتلال ما زال يمنع تحويل أموال الإعمار، مطالبًا بضغط دولي لرفع الحصار وفتح المعابر للبدء بعملية إعادة الإعمار.
وتطرق سرحان إلى مساعدة الحالات الإنسانية التي بحاجة للسكن في قطاع غزة، قائلأ غنه يوجد 50 ألف أسرة مسجلة على قوائم الانتظار بالوزارة، وتحتاج لإعادة إصلاح وترميم في ظل عدم توفر المنح الإغاثية حال دون تقديم الخدمة لهم.
120 منظمة أهلية فلسطينية: إسرائيل لاتزال تمنع إعادة الإعمار
وبالرغم من هذا الإنجاز الوطني الذي لا يستهان به، إلا أنه قبل أيام قليلة، أعلنت 120 منظمة أهلية فلسطينية، أن إسرائيل لا تزال تمنع إعادة إعمار غزة وتتسبب في تشريد عشرات الآلاف من السكان، بعد أكثر من شهرين من انتهاء آخر جولة تصعيد عسكري في القطاع.
وأكدت المنظمات، في بيان مشترك، ضرورة العمل الجاد وأهمية الإسراع في إعمار غزة في إطار وطني بامتياز دون أن تستفيد من ذلك إسرائيل التي تسببت في كل هذا الدمار والخراب.
وشددت المنظمات على ضرورة العمل على رفع الحصار بشكل عاجل ورفض أي شروط أو قيود على عملية إعمار قطاع غزة وتحييد عملية الإعمار عن الخلافات السياسية، موضحة استمرار تهجير 8222 عائلة في غزة ممن دمرت مساكنهم كلياً، بالإضافة إلى نحو 250 ألف شخص ممن لحقت بمساكنهم أضرار جزئية، يعانون من عدم تمكنهم من إصلاح مساكنهم في ظل استمرار حظر دخول مواد البناء إلى القطاع.
ونبهت المنظمات إلى أنه لا تزال المخاوف قائمة من تجدد التصعيد، في ظل انعدام الأفق لحل سياسي قريب وإمعان إسرائيل بتشديد الحصار، وتكريس إجراءات منع وتأخير الإمدادات الأساسية للسكان المدنيين في القطاع.
وحثت المنظمات على تشكيل هيئة وطنية لإعمار قطاع غزة، متوافق عليها تضم في عضويتها مختلف مكونات المجتمع الفلسطيني لوضع خطة لإعادة الإعمار والرقابة على التنفيذ، داعية إلى فصل الأموال المخصصة للإعمار بشكل مستقل عن الموازنة العامة الفلسطينية، وتخصيص صندوق خاص للأموال بحيث يمكن متابعة ومراقبة الصرف وآليات الإنفاق وتعزيز عملية الرقابة المجتمعية.
أونروا مستمرة في إطلاق نداءات الاستغاثة
وسابقاً، قال مسير أعمال شؤون الأونروا في غزة، سام روز، إن عدم توفر المواد الخام نتيجة الإغلاق للمعابر التجارية بين قطاع غزة وإسرائيل، يعيق البدء بإعادة الإعمار، التي تحتاج إلى تمويل مادي أيضًا، لافتاً إلى أن إدارة أونروا كغيرها قلقة بشأن استمرار إغلاق المعابر.
وأشار روز، إلى أنه تم إطلاق نداء خاص في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، من أجل الحصول على الأموال اللازمة لإتمام عملية إعادة الإعمار، والتعافي من آثار الحرب، موضحاً أنه تم التركيز كأولوية على العائلات التي كانت تحتمي داخل مدارس الوكالة، التي كانت مفتوحة خلال العدوان، ثم الانتقال إلى المنازل المدمرة تمامًا.
ونوّه روز، أن حوالي 1200 منزل مدمر بالكامل، ولا يمكن إصلاحه، كاشفاً عن أن إدارة أونروا أطلقت نداءً خاصا نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي للحصول على حوالي 160 مليون دولار لتغطية إعادة الإعمار.
خسائر هائلة تزيد من صعوبة التعافي
كشف تقرير لموقع "مودرن دبلوماسي" Modern Diplomacy الأمريكي عن خسائر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي استمرت 11 يوماً في شهر مايو/ أيار 2021 وأسفرت عن استشهاد 260 مواطنًا، بينهم 66 طفلاً و41 امرأة، وفاقمت الصدمات النفسية السابقة خاصة لدى الأطفال.
وقال الموقع، إن الخسائر البشرية تضاف إلى الأضرار والخسائر الإجمالية التي لحقت بمختلف القطاعات والبنية التحتية، موضحاً الأضرار المادية التي وصلت إلى 380 مليون دولار، وخسائر اقتصادية بقيمة 190 مليون دولار، وقد قُدرت احتياجات التعافي بما يصل إلى 485 مليون دولار خلال الـ24 شهرًا الأولى.
ولفت الموقع إلى أن الحرب الأخيرة تسببت في مزيد من التدهور للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتعثرة بالفعل، حيث عانى الفلسطينيون في غزة من التكاليف المتراكمة، البشرية والاقتصادية، للأعمال العدائية المتكررة على مدى العقود الثلاثة الماضية، فضلاً عن القيود المطولة على حركة الأشخاص والسلع التجارية عند المعابر الحدودية، هذا إلى جانب القيود المفروضة على الصيد قبالة سواحل غزة، والآن آثار جائحة كورونا.
وأوضح الموقع، أن نسبة البطالة في غزة وصلت -بشكل مقلق- إلى نحو 50 %، في حين يعيش أكثر من نصف سكان القطاع في فقر، وفي أعقاب الأعمال العدائية التي شهدها قطاع غزة خلال شهر مايو/أيار الماضي، بات 62% من سكان غزة يعانون انعدام الأمن الغذائي، متحدثاً عن تقييم سريع للأضرار والاحتياجات حيث تراوحت القيمة التقديرية للأضرار المادية الناجمة عن الصراع بين 290 و380 مليون دولار، وأن القطاعات الاجتماعية هي الأكثر تضررا، حيث بلغت قيمة الخسائر ما بين 140 و180 مليون دولار، وشكلت أكثر من نصف إجمالي الأضرار.
ووفق الموقع، يمثل قطاع الإسكان وحده ما يقارب من 93 %من إجمالي الأضرار التي لحقت بالقطاعات الاجتماعية، وثاني أكثر القطاعات تضررا هي القطاعات الإنتاجية والمالية، خاصة الزراعة والخدمات والتجارة والصناعة، كما تسببت الحرب في خسائر اقتصادية تراوحت بين 105 إلى 190 مليون دولار.
وكانت القطاعات الاجتماعية هي الأكثر تضررا حيث إن نحو 87 %من الخسائر تأتي من التكاليف الصحية والتغطية الاجتماعية الإضافية والبطالة. كما أدت الاعتداءات إلى إضعاف سبل العيش وشبكات الأمان للفئات الهشة.
احتياجات التعافي وإعادة الإعمار ضخمة
التقرير نقل تقديرات احتياجات التعافي وإعادة الإعمار الفورية وقصيرة الأجل "خلال الـ24 شهرًا الأولى" بما يتراوح بين 345 و485 مليون دولار، منها 125 إلى 195 مليون دولار على المدى الفوري "من الآن وحتى نهاية عام 2021"، و220 إلى 290 مليون دولار على المدى القصير "من 6 أشهر إلى 24 شهرًا"، وتشمل احتياجات التعافي الحرجة المساعدة النقدية لحوالي 45 ألف فرد للحصول على مساعدات غذائية وغير غذائية، وتوفير 20 ألف وظيفة إضافية بدوام كامل لمدة 12 شهرًا، وإعطاء الأولوية لاحتياجات الإسكان لأكثر من 4 آلاف مسكن مدمر أو تضرر جزئيًا، إذ كانت هذه المساكن تأوي نحو 7 آلاف طفل بالنسبة للأسر التي فقدت منازلها.
الجهود العربية والدولية لحلحلة الأزمة لا تخفى على أحد، أما الأمر الذي بات معروفاً هو ربط إسرائيل بحسب مسؤولين لديها، إعادة إعمار غزة وإدخال تسهيلات إنسانية لسكانه بإعادة 4 جنود إسرائيليين محتجزين لدى حركة "حماس" في غزة، وهو ما أكد حديث نائب وزير الأمن الإسرائيلي ألون شوستر، بالقول،"لن يحدث تحسين للواقع في غزة إلا بعد إحراز تقدم كبير في قضية الأسرى والمفقودين"، وترد "حماس بإبداء رفضها ربط الإعمار بقضية تحرير الجنود كونه ملفا "إنسانيا" محذرة من أن المماطلة في ذلك يقود لعودة التوتر من جديد، وبهذا يبقى إتمام إعادة الإعمار رهن التطورات القادمة.