سلوى عمار: "الـرابع من اغسطس/ آب"، تاريخ لن تنساه لبنان.. انفجار مخزون هائل من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، حدث لن يُمحى من التاريخ اللبناني. وقد تحوّل إلى يوم حداد وطني عزّته السلطات إلى 2750 طناً من مادة نيترات الأمونيوم مخزنة منذ العام 2014 في المعبر رقم 12 في المرفأ.
وبالرغم من مرور عام على ذكرى أصعب انفجار غير نووي، لم تشف جراح اللبنانيين بعد، ولا تزال آثاره المُدمرة شاهدة على مدى حجم الكارثة التي حلّت ببلد هشّ سياسياً واقتصادياً، ما فاقم من خطورة الوضع، لتصبح النتيجة انهيار على كافة المستويات، وأما الجاني فحتى الآن "مجهول" حتى مع ظهور شبهات حول تورط إسرائيل في الواقعة.
"بيغاسوس".. دليل على التورط الإسرائيلي
أدلة جديدة حول نتائج التحقيقات الأخيرة كشفت عنها المخابرات الفرنسية، وهي العثور على برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس" على هواتف ثلاثة صحفيين فرنسيين، أحدهم يعمل في محطة التلفزيون الدولية فرانس 24، والذين تواجدوا أثناء التفجير.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي تؤكد فيها سلطة رسمية، نتائج التحقيق الدولي الذي أجرته أكثر من 17 مؤسسة إعلامية حول اختراق صحفيين ومسؤولين ومعارضين باستخدام برنامج التجسس "بيغاسوس"، وأرسلت الوكالة الوطنية الفرنسية لأنظمة أمن المعلومات، نتائج تحقيقها وتتبعها لاختراق هواتف الصحفيين الفرنسيين إلى مكتب المدعي العام في باريس، حيث تم الكشف عن صور ومعلومات كانت على هواتف هؤلاء الصحفيين أثناء وبعد التفجيرات أثبتت تورط مسؤولين لبنانين كبار في الأمر، وقد تم وصولها كاملة إلى إسرائيل، وخاصة لوحدة الاستخبارات الإسرائيلية المعروفة باسم "8200" العمود الفقري لتقنيات التجسس في العالم والمسؤولة عن جمع المعلومات والأمن السيبراني وتعتبر من أقوى وحدات الاستخبارات الإسرائيلية التي يمكنها اختراق قواعد بيانات الدول، لذا تم تجنيد الصحفيين الفرنسيين لنقل الصورة كاملة هناك من داخل مرفأ بيروت ومن الشارع اللبناني.
هيومان رايتس ووتش: مسؤولون لبنانيون متورطون
اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتشن الحقوقية، مسؤولين لبنانيين كبار بالتورط في الانفجار المدمر الذي هز مرفأ بيروت، مشيرة إلى وجود دلائل تؤكد ذلك، حيث قالت في التقرير الذي أصدرته قبل يوم واحد من الذكرى السنوية الأولى للانفجار المدمر إن المشاكل البنيوية في النظامي القانوني والسياسي في لبنان تسمح للمسؤولين بالإفلات من المساءلة والعقاب، خاصة أنه لم يتهم أي منهم حتى الآن على خلفية الكارثة.
وعرضت المنظمة، أدلة على السلوك الرسمي الذي يعكس الفساد وسوء الإدارة منذ زمن طويل في المرفأ، وسمح بتخزين أطنان من نيترات الأمونيوم عشوائيا وبطريقة غير آمنة لست سنوات تقريبا.
من جانبها، قالت لما فقيه، مديرة قسم الأزمات والنزاعات في المنظمة، "تُظهر الأدلة أن انفجار مرفأ بيروت نتج عن أفعال كبار المسؤولين اللبنانيين وتقصيرهم، إذ لم يبلّغوا بدقة عن المخاطر التي تشكلها نيترات الأمونيوم".
ووفق تحقيقات إعلامية، فإن مسؤولين سياسيين كانوا على علم بمخاطر وجود 2750 طناً من نيترات الأمونيوم مخزنة في المرفأ، لكنهم لم يحركوا ساكناً، وعندما قرر القضاء استدعاء بعض هؤلاء المسؤولين لاستجوابهم في القضية، ثارت ثائرة السياسيين، ورفضوا رفع الحصانة عن نواب تولوا مناصب وزارية، ومنح الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيين.
حصيلة الانفجار.. تدمير وانهيار
عمّقت كارثة الانفجار وتفشي فيروس كورونا قبلها، الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان منذ صيف العام 2019 وصنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، فيما ارتفعت أسعار مواد أساسية بأكثر من 700% خلال عامين.
وبحسب الأرقام الرسمية، سقط في انفجار مرفأ بيروت 214 شخصا، كما أصيب 6500 بجروح، كذلك شرّد الانفجار 300 ألف شخص، لفترة مؤقتة، وخسر بسببه 70 ألف وظائفهم، وبلغ تعداد الشقق السكنية المتضررة من الانفجار 73 ألف، في حين تضرر 9200 مبنى، كما تضررت 163 مدرسة ومنشأة تعليمية، أما بالنسبة لقطاع الصحة، فقد تضررت 106 منشآت صحية، بينها ستة مستشفيات و20 عيادة.
تحركات الدول المانحة لمؤازرة لبنان
قادت فرنسا، الجهود الدولية لانتشال لبنان من الأزمة، وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بيروت مرتين منذ انفجار المرفأ، وزاد مساعدات الطوارئ وفرض حظر سفر على بعض كبار المسؤولين اللبنانيين في إطار سعيه للحصول على حزمة إصلاحات.
وقال مكتب ماكرون إن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيشارك في المؤتمر الذي تستضيفه الأمم المتحدة إلى جانب نحو 40 من زعماء العالم الآخرين، بما في ذلك قادة مصر والأردن والعراق وكندا، وسيمثل بريطانيا وزير خارجيتها.
وجمع مؤتمر العام الماضي في أعقاب الانفجار حوالي 280 مليون دولار، وحُجبت المساعدات الطارئة عما وصفه ماكرون آنذاك بأنها "أيد فاسدة" للسياسيين وتم إيصالها عبر المنظمات غير الحكومية وجماعات الإغاثة، فيما ذكر مكتب ماكرون أن المساعدات الإنسانية الجديدة ستكون غير مشروطة، لكن حوالي 11 مليار دولار من التمويل طويل الأجل الذي تم جمعه في 2018 لا يزال محجوبا ومشروطا بسلسلة من الإصلاحات التي لا بد أن تنفذها السلطات السياسية.
وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن الوضع في لبنان لم يتحسن كثيرا بالنسبة للعديد من المتضررين من الانفجار، فبعد مرور عام على الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، لا يزال حجم الدمار هائلا ولا تزال خلفية هذه الكارثة غير واضحة.
وذكر ماس أن رد فعل ألمانيا في ذلك الحين جاء سريعا وقدمت المساعدة على الفور، مضيفا في المقابل أنه بالرغم من مرور عام، لم يتحسن الوضع هناك بالنسبة للعديد من المتضررين.
ووعد ماس بتقديم ألمانيا المزيد من المساعدات خلال مؤتمر دعم لبنان، مشيرا في المقابل إلى أن الوضع الصعب في لبنان لا يمكن حله إلا من قبل السياسيين هناك، وقال، "يجب أن يتحركوا بسرعة الآن".
عون: سيأخذ كل مذنب جزاءه
شدد الرئيس اللبناني ميشال عون، على أن الحقيقة وراء انفجار مرفأ بيروت ستظهر وسيأخذ كل مذنب جزاءه، وقال، "الشعب اللبناني تجمعت في وجهه كل المآسي، من قلبي أقول لعاصمتنا الحبيبة بيروت ستظهر الحقيقة وسيأخذ كل مذنب جزاءه وستنهضين من جديد".
وأوضح عون، أنه مع التحقيق النزيه والجريء وصولاً للمحاكمات العادلة، مضيفا، "نعم للقضاء القوي الذي لا يتراجع أمام صاحب سلطة مهما علا شأنه، لكن يلزم أن نترك التحقيق يأخذ مجراه، فما حصل خلال آخر سنتين من انهيار اقتصادي ومالي مع كل تأثيراته الحياتية والجتماعية والنفسية يهدد بانهيار الدولة اللبنانية بكل مقاومتها ومؤسساتها".
أما رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب فقال إن انفجار مرفأ بيروت "كشف عورات البلد".، موضحاً في بيان بمناسبة ذكرى الانفجار، "سنة مرت على ذلك الزلزال الذي ضرب بيروت وكل لبنان. في 4 أغسطس انفجر أحد عنابر الفساد المتراكم، وكانت نتائجه مدمرة على جميع المستويات: خسرنا شهداء وأصيب الآلاف ودُمرت منازل ومؤسسات. ترك جروحا عميقة في النفوس والوجدان وفي واقع البلد".
على حافة انهيار جديد
دعت أحزاب معارضة ومجموعات ناشطة تأسست خلال احتجاجات 2019 ضد الطبقة الحاكمة إلى تظاهرات في مناطق عدة من بيروت، تحت شعار "العدالة الآن"، تضمنت تنظيم مسيرات في اتجاه المرفأ حيث ستتم تلاوة صلوات إسلامية ومسيحية.
وحتى الآن لم تشكل حكومة جديدة ولم يشهد الوضع الاقتصادي تحسناً ولو طفيفاً، هذا كله بخلاف الغليان الشعبي، والحجب الحالي للجناة الفعليين مع غياب العدالة، وكلها مقدمات تُنذر بوضع أشد كارثية من الوضع الحالي.