أربعة وخمسون زوجاً وزفاف واحد
نشر بتاريخ: 2025/12/03 (آخر تحديث: 2025/12/05 الساعة: 14:06)

طوال حرب الإبادة، وعلى الرغم من آلام الفقد واحتمالات الموت واستمرار محو أسر كثيرة من السجل المدني يومياً؛ لم ينقطع سياق الزواج بغير زفاف، كأنما الزيجات السريعة المتناثرة في مديات النزوح تلو الآخر، ظلت تمثل رده الفعل الفطرية التي تؤكد على قوة التمسك بالحياة وبِسنن الوجود نفسه، على الضد مما يريده أعداء الحياة الفلسطينية، الراسخة على أرض الآباء والأجداد!

كانت الظاهرة وما تزال لافتة، تنتقل فيها العروس ـ غالباً ـ من خيمة الأهل إلى خيمة الزوجية، وليس من بيت الأولين إلى البيت الثاني.

ففي هذا الزفاف الجماعي، انعكس الكثير من الحقائق الجديرة بالإعجاب والاعتزاز. فمن بين الركام الشامل ومن وسط الأحزان والجراح الخضراء، انبثقت الصورة التي بدا فيها الشاب العريس، ومعه عروسه، قادريْن على الخروج بكل الثقة العالية في النفس، للإعلان عن تفاؤلهما في لحظة ما تزال مؤلمة وخطيرة ومعرضة لكل الاحتمالات الصعبة. وعندما يتضاعف مشهد الاقتران أربعة وخمسين مرة، ويجري إعداد مسرح الزفاف كما يُعد مسرح حفل وطني كبير في أية عاصمة هانئة، وعندما يحتشد المحتفلون وكل منهم يُعد هندامه المبعثر من بين الخيمة والبيت المدمر، ثم يظهر الجميع في الصورة وكأنما لا شيء حدث في قطاع غزة؛ فإن المشهد وحده يختصر برقيات متعددة المعاني، أولاها الى العدو الذي أراد تدمير حياة المجتمع، وإلى كل الذين ساندوا هذا العدو سراً وعلانية: فالأرض الفلسطينية ما تزال تحتضن شعبها وأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وأن الخيبة هي مآلات كل الذين سعوا الى التهجير وأعدوا له الخطط والأماكن البديلة، والخونة من شتى الأصناف.

في الزفاف الواحد، لأربعة وخمسين عروساً وعريس في غزة؛ رسمت أبو ظبي علامة فارقة، على مسار مأثرتها الإغاثية المستدامة، ومأثرة تلازمها اليومي مع الشعب المنكوب، مدداً وحضوراً للأطقم وللخيرين، وسقاية وطبابة ومساندة سياسية حتى تزامن الزفاف مع احتفال دولة الإمارات العربية الشقيقة بعيد الاتحاد الرابع والخمسين. فليس هناك لحظة أدعى الى احتفال الفلسطينيين بزفاف جماعي من لحظة احتفاء الاشقاء في دولة الإمارات، بقيام الاتحاد، الذي ثابر عليه وحققه زايد الخير صاحب الإرث الزاخر بالعطاء والمساندة الشاملة على امتداد جغرافيا العرب والمسلمين، وكذلك صاحب الأيادي البيضاء على حركة الكفاح الوطني الفلسطيني وفي نُصرة القضية العربية المركزية.

كان الزفاف في القطاع، أعطية إماراتيه ذات مقاصد جليلة، تعزز منطوق الصورة الفلسطينية في تأكيدها على انبثاق الفرح من واقع الألام وإرادة العمران من وسط الركام، وقوة العزيمة والتفاؤل بالمستقبل، على الرغم من كل نُثار الإحباط والسجالات والفرضيات السوداء، التي يروجها الحيارى الذين افقدتهم غزة عقولهم. فلدينا اليوم أربعة وخمسون أسرة جديدة، بينما قبل الزفاف وبعده، يتواصل الاقتران وتنعقد المصاهرات، مع ضيق ذات اليد وانسداد الأفق وشُح سبل العيش. فعندما يرتب الفلسطيني أحلامه صورة صورة، لا يحسب ولا يتشاءم، فعلى الله الرزق إن كنتم لا تعلمون.

هنئياً لحديثي الزواج في قطاع غزة زفافهم الجماعي، وهنيئاً لكل زفاف فردي في تجمعات الخيام. بالرفاء والبنين وانكشاف الغمة وتحقق الآمال..

وهنيئاً لدولة الإمارات الشقيقة بعيد الاتحاد مع الدعاء لشعبها بالمزيد من الرخاء، ولقيادتها المزيد من السطوع على طريق زايد الخير والقادة المؤسسين.