العزلة حين تصبح بطلاً في رواية مصرية
نشر بتاريخ: 2025/11/23 (آخر تحديث: 2025/12/05 الساعة: 15:18)

متابعات: في ظلال منتجع هادئ، تنسج رواية «المسرحية الأخيرة» الصادرة أخيراً في القاهرة عن دار «الشروق» للكاتب المصري يحيى الجمّال، شبكة معقدة من العلاقات الإنسانية والهواجس، مغلفة بالخبايا وسط عزلة إجبارية، حيث يحاول البطل «يوسف الطائع»، الكاتب المسرحي الذي يقضي أيامه بين الكحوليات والمسرحيات والأشباح التي تطارده، أن يفرغ من كتابة مسرحيته الأخيرة، بينما يتوافد عليه أفراد عائلته وجيرانه وأصدقاؤه حاملين حقائب مثقلة بحكاياتهم وأخطائهم.

عبر نظرات صامتة ولقاءات مليئة بالإيحاء، تتكشف الأسرار: حب مراهقين تحول إلى زواج هش، ذكريات عن شغف مسرحي في باريس، خيانات دفينة، أزمات عائلية تطفو على السطح وتكتب كلمة النهاية، حينئذ تنكشف القصة الكاملة ويندمج الواقع بالخيال في عرض يكشف عن كل شيء.

«المسرحية الأخيرة» ليست رحلة يوسف الطائع فقط لمؤلفها يحيى الجمال، بل مرآة تعكس هشاشة الإنسانية وألمها في مواجهة الزمن، بين أروقة الحب والفقد والبحث عن الخلاص. صدرت له من قبل روايتان هما «بعد الحفلة» و«أحلام شمس».

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«بدت السماء صافية لأول مرة منذ يومين وتجلت السحب متتابعة تقوم بأشكال عدة تتراوح بين طيور ضخمة ورؤوس ذئاب أو كلاب ضخمة تتابع تلك الطيور ثم تتحول لفقاعات ودوائر فوق البحر الساكن قبل أن تمر كخيط رفيع يرحل في اتجاه بر سيناء لتعود محلقة فوق جبال ضفة العين السخنة، حيث المنتجع الذي يقطنه يوسف، متخذة أشكالاً أخرى ليس لها نهاية.

لم يحتمل الرياح العتية جذع هزيل لشجرة أكاسيا ملاصقة لحديقة الجيران، فسقط وكذلك انكسر خوص مقعد مصنوع من خشب البامبو ورثه يوسف من منزل العائلة القديم ووضعه أمام مدخل منزله يستخدمه ليجلس عليه عندما يحتسي قهوته في ساعات الصباح الأولى، متظللاً بالجبل ومتفادياً حرارة الجو ناحية الحديقة حين تشرق الشمس في أغلب الأحيان دون مواربة.

أخذ الكلب الصغير، الكوكر الإسباني (بونجور) ذو الفروة البنية الغامقة اللامعة، يعبث ببعض أغصان صغيرة مبعثرة بجورب قديم وضعه بين أسنانه وأخذ يلطخه في بقعة طينية خلفتها الأمطار الغزيرة. وقف يوسف الطائع، بصحبة (عم صابر) الجنايني، يتفقد أغصاناً سقطت في حديقته، فالعاصفة لم تترك شيئاً مكانه وقلبت المنتجع الصغير رأساً على عقب.

لا يتذكر أنه شهد هواء وأمطاراً بهذا العنف خلال أكثر من عشرين عاماً قضاها منعزلاً هنا لا يبرح منفاه الاختياري في العين السخنة إلا ليفرغ من تجديد أوراق بمصلحة حكومية بالقاهرة ثم يعود في اليوم التالي وهو يصب اللعنات على المدينة الخانقة وعلى أهلها البؤساء، كما يردد لأصدقائه ممن يقومون بزيارته من القاهرة بين الحين والآخر».