إما ذلك أو فيلم كرتون
نشر بتاريخ: 2019/04/16 (آخر تحديث: 2025/12/14 الساعة: 08:32)

كلما حاول الفلسطينيون، ممارسة النقد لمن يستمرون في محاولاتهم إضعاف دور منظمة التحرير الفلسطينية واحترام قراراتها والأخذ بتوصياتها؛  يجيب موالو عباس، بمنطق مختلف، وكأن النقد يستهدف المنظمة ولا يستهدفهم، باعتبارهم الطرف الذي يتعمد تجاهل المنظمة وإضعافها. وفي الحقيقة اصبح الأمر محيّراً حتى لمن ينافقون عباس. فهؤلاء لا يعرفون هل يريد الرجل أن تكون المنظمة ضعيفة أم قوية؟.

من خلال معاينة الحال الراهنة لمنظمة التحرير، يتبدى ضعف المنظمة مُعدلاً موضوعياً لإطاحتها عن الحياة السياسية الفلسطينية. ولو كانت إطاحتها لصالح السلطة الفلسطينية بمؤسساتها، لأصبح الأمر أقل ضرراً. فالإطاحة كانت ولا تزال تلبية لحاجة شخص عباس دون سواه، وليست لحاجة السلطة، من حيث كونها ذات مؤسسات دستورية. فهذه الأخيرة شبيهة المنظمة على صعيد الإطاحة. والرجل الذي يغيّب مؤسسات الإثنتين، هو الذي يخلط ويقرر ويوزع الأدوار على أشخاص ممن لهم توصيفاتهم في السلطة وفي المنظمة. والأمور تندمج وتتداخل أو تنفصل وتتحدد المسافات بينها، كلما احتاج عباس الى هذه أو تلك.

فما هو شأن وزير السلطة رياض المالكي في عمل المنظمة؟ ولماذا رفضت إسرائيل، في ذروة التفاؤل باتفاق أوسلو لإعلان المباديء، أن يكون لسلطة الحكم الذاتي المحدود، وزارة للخارجية كما للدول المستقلة، واليوم تتقبل وجود وزارة للخارجية رغم انهيار الاتفاق نفسه وتغوّل إسرائيل، وإعلان رفضها حتى لصرف مخصصات أسر الشهداء والأسرى؟

ولكي لا يُفهم خطأ أننا نشكك في الذمم الوطنية للأشخاص، نعيد السؤال بطريقة أخرى: إن كانت المنظمة هي التي تفاوض، فلماذا لا يُصار الى دمج وزارة خارجية السلطة بهيكلية المنظمة، ويكون على رأس المفاوضين، شخص واحد، إما كبيرهم وهو محسوب على هيكلية المنظمة، أو كبير الجهاز الديبلوماسي المحسوب وزيراً على هيكلية السلطة؟!

واضح أن الأمر يشبه اللعب بالبيضة والحجر، وأن تحريك حجارة الشطرنج يأتي لملائمة مقتضى الحركة. فعندما يُريد عباس عملاً، يخالف قرارات المنظمة حتى في الاجتماعات الأخيرة التي انعقدت بمواصفات عباس وفي ظل غياب الإجماع الوطني وتأجج الخلاف السياسي ومع استمرار التنسيق الأمني نقيض المقاطعة السياسية؛ يُكلف بَيْدَق من السلطة بمقاربات التوسل، أو كلف عنصر المخابرات. وفي هذه الحال من الفوضى المتعمدة والتداخل، إن قال قائل، إن المنظمة لم تعد تمثلنا (مع وضع ثلاثة خطوط تحت كلمتي "لم تعد") يسمع جواباً عجيباً أو اتهاماً عجيباً، بأنه لا يعترف بتمثيل منظمة التحرير، علماً بأن المقصود عندئذٍ، يعكس عدم الإعتراف بمشروعية تمثيل فوضى النظام السياسي، وعدم مشروعية تمثيل فوضى المنهجيات، وفداحة الخلط بين ثوابت الموقف السياسي وتفاهة التوسل!

هنا يصبح الأمر، كما في كل شأن، خلطا بين المشروعية وسلوك الممسكين بخيوطها، وهو سلوك يخالف ويتنكر لكل حق دستوري للمواطن وللمنتسب للحركة الوطنية، سواء كان طليقاً، يُفترض أنه من الأحياء الذين يرزقون، أو محتبساً أسيراً وعائلته، أو خالداً من الأخيار الشهداء الميامين، هو وأسرته التي قدمت التضحية الوطنية النبيلة!

نتنياهو عرض موقفه، وعباس عرض حكومته. الأول يرفض حل الدولتين في أكثر صيغ التسوية تواضعاً وانتقاصاً من الحقوق الوطنية الفلسطينية، والثاني يحاول التوصل الى مقاربات لاستئناف الكلام العقيم تحت عنوان التفاوض، على الرغم من أن مواقف العدو قد تحددت، في ضوء انقسامنا والهُزال العربي!

في طبائع الأمور، لم يعد المحتلون في حاجة الى الخديعة والتضليل والتسويف. فقد حسموا أمرهم، ولن يتغير موقفهم من خلال رحلات سفر على الدرجة الأولى في الطائرة الى موسكو وباريس أو غيرها، خصماً من خبز الناس. ولن يتغير موقف العدو، بحكومة فلسطينية يُقال إنها فتحاوية لذر الرماد في العيون. إن الرادع الحقيقي،لالعجرفة الإسرائيلية والسفالة والإرهاب وديمومة الجريمة، ستظل هو الموقف الفلسطيني الشعبي الذي يراه العالم في كل ساعة بأم عينه، وهذا يتأتى بإعادة اللحمة على كل صعيد، وباستعادة المؤسسات، وباسترجاع الصلة الوثقى بين الكتلة الشعبية والحركة الوطنية بكل اطيافها، وإعادة الإعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، على الأسس التي قامت عليها أصلاً، بل والزيادة عليها في تصليب بنيتها، وتكريس العدالة والقانون وإنهاء وضعية التفرد والكيديات، وجلب حماس الى وفاق وطني حقيقي بشروطه الدستورية. فلم يعد أمام النظام السياسي الفلسطيني المفرغ من مؤسساته، شيئاً يفعله، سوى مواجهة رزاياه الداخلية وتصفيرها. فإما هذا أو سيصبح سياقنا أشبه بفيلم مزعج من الرسوم المتحركة!