حبل المشنقة على بزّة الجندي… حين يتحوّل التحريض إلى زيٍّ رسمي
حبل المشنقة على بزّة الجندي… حين يتحوّل التحريض إلى زيٍّ رسمي
الكوفية في المشهد الذي يتكرر كلما اشتدت النبرة العنصرية في إسرائيل، يطفو إلى السطح ما كان يُقال همساً، فإذا به يتحوّل إلى صورة صارخة لا تحتمل التأويل. وها هو الدور يصل إلى جندي يحمل على بزته العسكرية رمز حبل المشنقة، كأنه يعلّق على كتفه بياناً يفضح ما يختلج في الصدور من تطرف، لا يرتجف ولا يختبئ خلف لغة السياسة المنمّقة.
القناة 13 الإسرائيلية كشفت عن توثيق استثنائي لجندي في جيش الاحتلال ظهر وعلى بزته رمز الموت، تكراراً لذات الشعار الذي ارتداه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير داخل الكنيست، أثناء النقاش حول القانون الأكثر إثارة للرعب في الوجدان الفلسطيني: قانون الإعدام للأسرى. وكأن الرسالة تقول: ما يقوله الوزير جهاراً، يطبّقه الجندي بفخر.
رئيس الأركان أيال زامير أصدر تعليمات واضحة تحظر ارتداء أي شارات غير نظامية على بزّات الجيش. ومع ذلك، خرج الجندي بشعاره متحدياً النظام العسكري ذاته، كاشفاً عن مستوى التسيّب الأخلاقي والفكري الذي يتغذى عليه الاحتلال، حيث لم يعد التطرف سلوكاً شاذاً، بل زياً عسكرياً جديداً يرتديه البعض بافتخار.
الجيش – وفق بيان إعلامي مقتضب – قال إنه يعمل على التحقق من هوية الجندي. لكن السؤال الأعمق يظل معلقاً: هل المشكلة في جندي وضع رمزاً، أم في منظومة كاملة تحتضن هذا الخطاب وتشرّعه وتدفعه إلى الواجهة؟
إنها ليست مجرد صورة لجندي تائه في نشوة القوة… إنها مرآة تعكس لحظة سياسية واجتماعية خطيرة؛ لحظة تتقاطع فيها تحريضات بن غفير العلنية مع الانفلات داخل المؤسسة العسكرية، لتكشف عن عقلية ترى في الفلسطيني رقماً زائداً يجب إلغاؤه لا التعايش معه.
والمفارقة المؤلمة أن جيشاً يدّعي “الأخلاق القتالية” يجد نفسه اليوم يحقق في حبل مشنقة يعلّق على بزّة أحد جنوده، بينما على الأرض تُعلّق حياة شعبٍ بأكمله على قرارات الاحتلال وعدوانه المستمر.
هي لحظة أخرى تسجّلها العدسات… لكنها ليست استثناءً، بل امتداداً لطريق طويل يُشرعن الكراهية، ويحوّلها من خطاب سياسي إلى سلوك ميداني يزداد توحشاً يوماً بعد يوم.
وفي النهاية، تبقى الحقيقة أوضح من كل الروايات:
ما دام التحريض سياسةً رسمية، سيظل الجنود انعكاساً صادقاً لملامح هذا التحريض.